لحم وليمون

{title}
أخبار دقيقة - كتب - إبراهيم عبد المجيد القيسي 

لست أعلم أيهما أسوأ، بين نقل الإشاعات والأخبار الكاذبة، أم الجهل المطبق الذي يسيطر على من يصدقون تلك الأخبار ويتناقلونها! .. أتحدث عن أسعار اللحم والليمون، فكثير من الأخبار تتحدث عن ارتفاعهما في السوق، وليست المشكلة في الخبر فهو صحيح، لكن القصة تكمن في الأسباب التي يوردها بعضهم لارتفاع أسعارهما، علما أن الحل المنطقي المتوقع من الشخص السوي هو عدم شراء سلعة ثمنها مرتفع، وإن كان يمكنه شراؤها فالأمر شخصي..

ارتفاع أسعار بعض أنواع الفواكه والخضروات في السوق الأردنية، موضوع معروف، وهو بالطبع ليس أردنيا، بمعنى أنه لا يقتصر على الأردن فقط، بل هو عالمي، يحدث في كل الدنيا، والقصة عادية، حيث يؤدي نقص كمية سلعة ما في الأسواق، إلى ارتفاع سعرها عند التجار، لكن الأمر يصبح مهما ومثيرا في البلدان التي تنتج أو تصنع سلعا غذائية ما، ثم يختلف سعرها، ويصبح الأمر مهما بالنسبة للناس الذين لا يعملون بالزراعة، ولا تواصل واحتكاك بينهم وبينه، فهم «مستهلكون» اعتادوا الذهاب للتسوق، وشراء مستلزماتهم من الغذاء، وفي حال اختلف سعر سلعة ما، فهم يلاحظون ذلك، وبعضهم يستشيط غضبا، ويعتقد أن ثمة «جهة مجهولة» تتلاعب بالأسعار، ولا أقول بأنه استنتاج شيطاني، لكنه كذلك في حال عدم معرفة طبيعة الإنتاج في قطاعنا الزراعي..

قبل عدة أشهر؛ قامت جهة ما بالتهجم على كل الجهات المعنية في الحكومة، من أجل هبوط أسعار مادة «الليمون»، وطالبوا آنذاك «بشطب» وزارة الزراعة، وإيقاف استيراد الليمون، والجهة ذاتها اليوم، تشتكي من ارتفاع سعر الليمون، ورغم قرار وزارة الزراعة بفتح باب استيراده، فهي تهاجم وزارات الزراعة والصناعة والتجارة وجمعية حماية المستهلك، وتلقي باللائمة عليهم جميعا، ولست أدري، هل يريدون من أرضنا أن تنتج ليمونا على مدار العام ورغما عن «الطبيعة»؟ أم يريدون دوام فتح باب الاستيراد لهذه المادة، على حساب المزارعين الأردنيين، الذين نسمع شكواهم وقت ذروة الإنتاج ووفرة المحصول، يشتكون من أن السعر لا يعادل تكلفة الزراعة والانتاج، وحين يتوقف الإنتاج وتنضب الكميات من المخزون، يحملون المسؤولية للحكومات!..

الحل هو ما قامت به وزارة الزراعة، التي تسعى في كل خططها وعملها، لتحقيق اكتفاء ذاتي من المحاصيل الزراعية، مما يعود بالفائدة للزراعة والعاملين بها، حيث العوائد المالية المعقولة تبقي على المزارع صامدا، ويستمر في العمل والانتاج، ويوقف هدر العملات الصعبة لاستيراد سلع من الخارج، ويدعم الأمن الغذائي المحلي، حيث دفعت الوزارة بهذا الاتجاه بالنسبة لمحاصيل كثيرة، كالليمون مثلا، فتعاقد مع جمعية كبيرة تضم أغلبية من مزارعي الليمون، من أجل إيجاد مراكز لتخزين المحصول، وعلى هامش هذا العمل ظهرت معامل ومهن وتصنيع تتعلق بمحصول الليمون، فالتعبئة والتغليف والتبريد .. وسائر تلك العمليات، كلها تحتاج من يعمل بها، وتحقق نوعا من أنواع التنمية المحلية، وتنشأ ثقافة مهنية وتصنيعية غذائية، يستفيد منها كثيرون وعلى رأسهم المزارع نفسه.

جموح أسعار بعض المنتجات الزراعية، موسمي، مؤقت، سرعان ما يتلاشى، وسيمر وقت علينا في الأردن، ستختفي مثل هذه المشاكل الموسمية، حيث سنجد منتجاتنا المحلية الزراعية في الأسواق على مدار العام، وتزدهر على هامش هذه العملية ثقافة وقفزة تصنيعية في مجال الغذاء..

الحمد لله، كلمة جميلة في كل وقت وظرف، لكنها في الأردن «المحسودة»، نعمة يجب علينا أن نصونها.

تصميم و تطوير