#عاجل..عودة تنظيم داعش المحتملة في سوريا... ما القصة؟

تثير عودة تنظيم داعش في سوريا، بما يكشفه من مخاطر جمّة وقدرة على التموضع وجذب مقاتلين جدد، هواجس عديدة، ويفرض سيناريوهات متعددة للأوضاع السياسية والميدانية الأمنية والعسكرية، حيث إنّ النشاط المحموم للتنظيم الإرهابي في كل مرة يضغط على نقطة في منتهى الخطورة، وتكاد تمثل لغماً قابلاً للانفجار في أيّ لحظة، تتمثل في مخيمي روج والهول، اللذين يُحتجز بداخلهما عناصر التنظيم وأطفاله وعوائله. واحتمال تحرير هذه العناصر يشكل معضلة وانفلاتهم من تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، الأمر الذي ينذر بدورة عنف جديدة.
وفق صحيفة (نيويورك تايمز)، فإنّ هناك مؤشرات تكشف عن عودة قائمة ومتجددة للتنظيم الإرهابي، وقدرته على حشد مقاتلين جدد؛ الأمر الذي يساعده في توسيع نشاطاته وتكثيف هجماته، موضحة أنّ "تنظيم داعش، وإن كان بعيداً عن قوته التي كان عليها قبل عقد من الزمان، عندما كان يسيطر على أجزاء واسعة من سوريا والعراق، إلا أنّ الخبراء يُحذّرون من أنّه قد يجد طريقة لتحرير الآلاف من مقاتليه المتمرسين المحتجزين في سجون قوات سوريا الديمقراطية (قسد). كما أنّ كبار مسؤولي الاستخبارات الأمريكية قدّموا، في آذار (مارس) الماضي، إلى الكونغرس تقييمهم السنوي للتهديدات العالمية، وخلصوا إلى أنّ تنظيم داعش سيحاول استغلال سقوط نظام الأسد لتحرير السجناء وإحياء قدرته على التخطيط وتنفيذ الهجمات.
ويمكن القول إنّ تصفية خطر تنظيم داعش تحتاج إلى استراتيجية من المجتمع الدولي والولايات المتحدة تتجاوز الاعتماد على الحشد العسكري، من خلال قوات التحالف للقضاء على إمكانياته ونفوذه، فالوضع الأمني بسوريا ما زال يوفر بيئة لنشاط التنظيمات الإرهابية والمسلحة، كما أنّ الصحيفة الأمريكية ألمحت إلى أنّ الضربات الجوية فقط لا تنجح في وضع حدٍّ نهائي للتهديدات الداعشية، وإنّما يتطلب الأمر إرسال قوات برّية لتطهير المناطق التي يتواجد فيها التنظيم.
وقال كولين كلارك، رئيس قسم الأبحاث في مجموعة "صوفان"، وهي شركة عالمية للاستخبارات والأمن، لـ (نيويورك تايمز): "ما تزال السجون والمعسكرات جوهرة تاج تنظيم داعش". وأضاف: "هناك يوجد المقاتلون ذوو الخبرة والمتمرسون في المعارك، وبالتالي فإنّ فتح هذه السجون سيُسهم في تعزيز جهود التجنيد التي يبذلها التنظيم لأشهر".
وبحسب (نيويورك تايمز)، فإنّ الولايات المتحدة الأمريكية تأمل أن "تُصبح الحكومة السورية الجديدة شريكة في محاربة تنظيم داعش، مشيرة إلى أنّه رغم تراجع سيطرة التنظيم على مساحات واسعة من الأراضي السورية، ما يزال ينشر إيديولوجيته المتطرفة عبر خلايا سرّية وفروع إقليمية خارج سوريا وعبر الإنترنت. ورغم التغير الذي طرأ في سوريا على صعيد الواقع الأمني والعسكري، وحتى على مستوى الحكام الجدد، إلا أنّ ذلك لم يكن كفيلاً بإنهاء "الخطر الكامن"، الذي لطالما حذّرت منه دول العالم ودول الجوار المحيطة بالبلاد. ويرتبط هذا "الخطر الكامن" بتنظيم داعش على وجه الخصوص، الذي أظهر نشاطاً متجدداً في سوريا، واستعاد قوته، واستقطب مقاتلين جدداً وزاد من عدد هجماته".
في حديث صحفي، يوضح الكاتب السوري شيار خليل مدير تحرير صحيفة "ليفانت اللندنية"، أنّ تنظيم داعش يمثل خطورة على سوريا وعلى الأمن الإقليمي، وخاصة إقليم كردستان العراق، نظراً للطبيعة الجغرافية المترابطة بين المنطقتين، كما أنّ نشاطه في البادية السورية يعكس قدرته على الاستفادة القصوى من تلك المساحات الجغرافية الشاسعة، بما يوفر له إمكانية ترتيب صفوفه وتقوية تنظيمه ولملمة شتاته، لافتاً إلى أنّ التنظيم، من خلال هجماته التي تتضاعف، يبعث برسائل مفادها "تجاوزه مرحلة الكمون المؤقتة، ودخوله في مرحلة جديدة يختبر فيها قدراته التنظيمية التي ظهر جانب منها قبل سقوط الأسد، واستهدافه المرة تلو الأخرى الأرتال العسكرية للجيش السوري التابع لنظام الأسد".
ويشير خليل إلى أنّ العام الماضي سجل التنظيم نحو (400) عملية إرهابية، وذلك وفق تقديرات "لجنة مراقبة تنظيم الدولة" التابعة للأمم المتحدة، وبالتالي، يُعدّ هذا المنحى التصاعدي في العمليات خطيراً. ويقول: "على ضوء التقارير الأخيرة الصحفية والحقوقية والأممية، لا يمكن إغفال أنّ التنظيم الإرهابي يشهد تصاعداً ملحوظاً في نشاطه داخل سوريا، بعد موجة عنف وتصاعد في مناطق أخرى إقليمية بغرب أفريقيا والساحل، مستغلاً الفوضى الأمنية والسياسية التي أعقبت سقوط النظام السوري". وبخلاف تقديرات الأمم المتحدة، فإنّ تقارير مماثلة حقوقية محلية تذهب إلى أنّ تنظيم داعش "نفذ نحو (700) هجوم في سوريا خلال عام 2024، وهو ما يمثل زيادة بـ (3) أضعاف مقارنة بالعام السابق، معتمداً على تكتيكات مثل الاغتيالات والكمائن في مناطق مثل صحراء البادية".
ويشير الكاتب السوري، مدير تحرير صحيفة "ليفانت اللندنية"، إلى أنّ الفراغ الأمني والمناطق الرخوة أمنياً تمثل فرصة لتنظيم داعش لاستعادة نفوذه أو إمكاناته وقدراته، وقد استغل الانشغال العسكري لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) في مواجهات مع "الجيش الوطني السوري" المدعوم من تركيا، لجهة زعزعة الاستقرار، والبحث عن فرصة لتحرير المحتجزين من السجون والمخيمات، حيث يُحتجز حوالي (9) آلاف مقاتل من " تنظيم داعش"، وأكثر من (40) ألفاً من عائلاتهم. ويرى خليل أنّه يتعين إنهاء تعدد الأطراف المتنازعة بسوريا؛ الأمر الذي يخلق بيئة من الفوضى يستغلها "تنظيم داعش" لإعادة تنظيم صفوفه.
ويضاف إلى ذلك ضرورة تعزيز التنسيق الدولي، بحسب المصدر ذاته، قائلاً: "يجب على المجتمع الدولي دعم الجهود القائمة ومن قبل قسد لمكافحة "داعش"، من خلال تقديم الدعم الاستخباراتي واللوجستي، وتحسين الأوضاع في السجون والمخيمات، وينبغي تعزيز الإجراءات الأمنية في مراكز الاحتجاز لمنع أيّ محاولات هروب أو تجنيد داخلها، وبالتالي مكافحة الدعاية المتطرفة، لتقليل قدرة التنظيم على التأثير والتجنيد".
وفي تقرير للأمم المتحدة، منتصف شباط (فبراير) الماضي، والمتزامن مع تقديم إحاطته أمام مجلس الأمن بشأن التقرير العشرين للأمين العام بشأن التهديد الذي يشكله تنظيم داعش على السلام والأمن الدوليي، قال المسؤول الأممي فلاديمير فورونكوف: إنّ الوضع المتقلب في سوريا "يثير قلقاً كبيراً"، في ظل خطر وقوع مخزونات من الأسلحة المتقدمة في أيدي الإرهابيين. وأشار إلى أنّ منطقة البادية السورية ما زالت تُستخدم كمركز للتخطيط العملياتي الخارجي لتنظيم داعش ومنطقة حيوية لأنشطته. ونبّه إلى أنّ عدم الاستقرار هذا يؤثر على المعسكرات ومراكز الاحتجاز وغيرها من المرافق في شمال شرق البلاد، مضيفاً أنّ (42500) فرد، بعضهم له صلات مزعومة بتنظيم داعش، ما يزالون محتجزين. ويشمل ذلك (17700) مواطن عراقي، و(16200) مواطن سوري، و(8600) مواطن من بلدان أخرى.
كما تحدث عن وتيرة إعادة هؤلاء الأشخاص إلى بلدانهم قائلاً: إنّها انخفضت بشكل كبير خلال الفترة المشمولة بالتقرير، حيث أعادت (5) دول أعضاء فقط أكثر من (760) فرداً من العراق وسوريا، وأعادت حكومة العراق ما يقرب من (400) طفل عراقي من شمال شرق سوريا إلى مركز لإعادة التأهيل. وكرر دعوة الأمين العام للدول الأعضاء لتسهيل العودة الآمنة والطوعية والكريمة لمواطنيها الذين ما زالوا عالقين في تلك المعيكرات والمرافق.
وعن الوضع في مناطق أخرى، قال المسؤول الأممي: إنّ داعش ـ خراسان مستمر في تشكيل تهديد كبير في أفغانستان والمنطقة وما وراء ذلك. وكرر نداء الأمين العام إلى جميع الدول الأعضاء لتوحيد صفوفها لمنع أفغانستان من أن تصبح مرة أخرى مرتعاً للأنشطة الإرهابية.
وقال فورونكوف: إنّ تنظيم داعش في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى واصل مع الجماعات التابعة له زيادة عملياته وتوسيع سيطرته الإقليمية. وأضاف: إنّ "الوضع مقلق للغاية في غرب أفريقيا ومنطقة الساحل"، حيث كثفت الجماعات التابعة لتنظيم داعش وغيرها من الجماعات الإرهابية هجماتها، بما في ذلك ضد المدارس في بوركينا فاسو ومالي والنيجر. ففي شرق أفريقيا نجح تنظيم داعش في الصومال في تجنيد مقاتلين إرهابيين أجانب، ويظل "مكتب الكرار" مركزاً مالياً وتنسيقياً رئيسياً لتنظيم داعش في المنطقة.
وتحدث وكيل الأمين العام لمكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب عن (4) مجالات ذات أولوية للتركيز عليها؛ أوّلها أنّه "مع تحول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى إلى مركز للإرهاب العالمي، أعطينا الأولوية لدعم بناء القدرات للقارة، وفي العام الماضي زاد مكتبنا من تقديمه للمساعدة الفنية بنسبة 16%، معتمداً بشكل خاص على عمل مكتبنا في الرباط". أمّا بخصوص مجالات التركيز، فقد قال فورونكوف: إنّه في ضوء الوضع في شمال شرق سوريا، فإنّ الأمم المتحدة تواصل تقديم المشورة والدعم للدول الأعضاء في جهودها لمقاضاة وإعادة تأهيل وإعادة إدماج الأفراد المرتبطين بالجماعات الإرهابية.
وأضاف المسؤول الأممي: "ثالثاً؛ نحن بحاجة إلى تعزيز أمن الحدود لمواجهة تحركات الإرهابيين، وفي تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي اشترك مكتبنا مع حكومتي دولة الكويت وطاجيكستان في إطار عملية "دوشانبي" لتنظيم مؤتمر رفيع المستوى حول تعزيز التعاون الدولي وبناء آليات أمن الحدود المرنة". أمّا مجال التركيز الرابع، بحسب فورونكوف، فهو مواصلة دعم الدول الأعضاء في الاستفادة من الفرص التي توفرها التقنيات الجديدة.
وأوضح أنّه في ميثاق المستقبل جددت الدول الأعضاء التزاماتها بمستقبل خالٍ من الإرهاب، وسلطت الضوء على نهج الحكومة والمجتمع بأكمله لمكافحة الإرهاب، مضيفاً: "من الآن فصاعداً، يجب على الدول الأعضاء أن تترجم هذه الالتزامات إلى أفعال، مع إعطاء الأولوية للاستجابات الشاملة والمترابطة والمستدامة التي تعالج الظروف المواتية للإرهاب، وتعزز القدرة على الصمود".