عدنان نصار: أقتفي خطى المبتسمين.. وفقراء من هواة الصبر الكبير

{title}
أخبار دقيقة -

عدنان نصار

لم يكن يعلم أحد أن أبو عبدالله ، يعيش في الحي الشعبي وسط المدينة العتيقة ، وهو في حالة أكثر وجعا من الفقر المدقع ، وأعمق معاناة من العوز المفجع ..

فالخمسيني الذي لفت إنتباهي بآهات وزفراته المكررة وهو يتلفت حوله ، ويمسد على كتف إبنته اليافعة ،التي تجلس على يمينه بإنتظار موعد الإفطار ..فالرجل وأبنته الصغيرة اليافعة ، يبدو إنهما لم يعتادا على التحلق حول موائد رمضان في جمعات كثيرة ، غير أن إصرار الكرام في شهر رمضان ، على أخذ حصتهما من خير الشهر نجح، رغم ان أبو عبدالله شديد الإنطواء في بيته العتيق وحريص على مخزون عزة النفس والكرامة التي تليق بإنسان ، سعى الفقر إلى "هد حيله” و”كسر ظهره”..

اليافعة الصغيرة إبنة أبو عبدالله بدت فرحة وهي تجلس على موائد الكرام لتنال حصتها ..،فعلى أية حال ، حصة طعام مغمسة بالكرامة من كرام ، تمنحنا دفء المشاعر والتعاضد على أصوله ، وتغنينا عن الف سؤال ، أما موائد اللئام فهي أكثر ميلا للإستعراض ، وهو ما يتنافى مع صفات (الله الكريم) .

ربما ، لحظة الصفا التي دفعت باليافعة الصغيرة للإبتسام ، لم تكن تخطر لي على بال ، وأنا أرقبها مع جمع من الفقراء على مائدة رمضانية دعيت لها ..،لثقة الداعين أنني سأرقب العجب العجاب ، وسأسترق السمع ربما عن قصد مسبق ، لأعيش مع أحلام المتطلعين الى غد أفضل ..كنت حريصا على إزالة القهر عن نفسي وأنا أبسمل لأتناول طعام الإفطار ..كنت انتظر لفافة تبغ بفارغ الشوق ، لأطفيء لظى القلب ،قبل أن أبل بالشهد الرضاب ..أقتفي خطى المبتسمين ، وأبتسم لكأني أسمع صدى أحلامهم وهم ينظرون بخجل طبيعي وليس مصطنع الى موائد الرحمن ..تلك الموائد التي جرت العادة أن تكون عند البعض في رمضان تقربا وتزلفا الى الله ..،ما أجمل إنسانيتنا في رمضان .!! ما أبشع "لئام أثرياء” حين يتقاسمون مع الفقراء لقمهم على موائد الكرام ..!!

كلماتنا أحيانا تعلق في مخارج الحروف ، لتوصيف عزة نفس وكرامة عند فقراء ، تحسبهم من التعفف أغنياء ، ونتلعثم بأصواتنا حين نقتفي خطى الفقراء في حيينا الشعبي من وسط المدينة العتيقة ..،فالحي الشعبي صانع للمسار ،وهو الأصدق في جس نبض الناس ، وهو عازف الناي على طرف أنينا الذي لا يهدأ .. حقا ، ما يؤلمنا أن يستعرض بعض الأثرياء حين يطعمون جياع إمتهنوا الصبر الجميل ، ما إحوجنا إلى صبر يتماهى مع إحساس الحالمين بالبعد عن دروب القهر .

وأكثر من يؤلمنا ، هم الإخرون الذين للأسف يستعرضون أمام أصوات الحالمين الفقراء في بلدي ..إصنع خيرا ، وأمضي ولا تنزع اللثام عن وجهك كي يرضى الله عنك ..!

هذه خلاصة تجربة ، عشتها كصحفي على مدى أكثر من 30 سنة ، أرصد وأتتبع موائد الغانمين الشاكرين الصامتين..ولا ألبي دعوات "الناهبين” ، التي ترشح بالمرارة ..دعوات ممجوجة بلغة الإستعراض ، لبارعين في خسارة رضى الله ، والناس الطيبة ..أوجه الإستغراب بطبيعة الحال مثيرة للضحك وللعجب معا ، لأن مجموعة من المقومات المتناقضة تشكل قناعات ليظهر دور الإستعراض في ثوب التلاحم..، في المقابل يتجلى موقف الإحترام لأولئك الذين يحرصون على إحترام رسالة الله بإطعام المسكين ، ضمن سلوك خطى المؤمنين برسالة :”وإنك لعلى خلق عظيم” .!

تصميم و تطوير