ملامح سياسات ترامب الخارجية الجديدة
أخبار دقيقة -
كتب -كريستين حنا نصر
يلاحظ المراقب للشؤون السياسية أنه وبعد فوز الرئيس الامريكي ترامب بالانتخابات الرئاسية الامريكية، ظهرت ملامح تغيير جذري في السياسات الامريكية منذ أواخر مدة ولاية الرئيس السابق بايدن ، وهي من وجهة نظري ومراقبتي للأوضاع باتت تختلف عن سابقها من سياسة أمريكية ، حيث ظهر ما يمكن وصفه بالتنسيق بينهما في مرحلة ما قبل مراسم تنصيب ترامب ، بما معناه أن ترامب بدأ يُبرز بعض خطوط سياسته الخارجية خاصة من منطلق تنفيذه لوعوده للجالية اللبنانية بأن يحل السلام في لبنان ، وفي هذا الاطار بدأت مظاهر الهدوء والسلام في المنطقة التي كانت تشهد مواجهات مشتعلة.
ففي لبنان بدأ الاستقرار والهدوء قبل تنصيب ترامب، وهو أمر ارتبط بتحجيم قوة حزب الله وانهاء الاقتتال على الجبهة الشمالية بين اسرائيل وجنوب لبنان ، كما تمّ النجاح في انتخاب رئيس جديد للبنان ( جوزيف عون) ، وعلى صعيد سوريا كان النجاح في اسقاط نظام الاسد البعثي الحاكم في سوريا ، والأهم وجود ملامح ما يمكن تسميته الانتقال السلس للحكم فيها، اضافة لضبط الوضع الامني فيها لحين الوصول لاتفاق يضمن بناء سوريا ديمقراطية تعددية، وعلى صعيد آخر يلاحظ أن العراق وبعد تقليص النفوذ الايراني في منطقة الشرق العربي سوف يكون له نتيجة مباشرة على تعزيز سيادة العراق .
وهنا نجد أنه أتضح وبشكل تدريجي منذ الأمس القريب أي منذ استلام ترامب الحكم فعلياً بأن الحرب في المنطقة والمشتعلة منذ أكثر من عام قد توقفت، تماماً كما وعد ترامب العرب في حملته الانتخابية ، وهنا بتنا ندخل مرحلة جديدة ، هي مرحلة ما بعد السلام أو الاستقرار ، فما الذي ينوي الرئيس ترامب فعله تجاه السياسة الخارجية وبالأخص في المنطقة العربية وكذلك ايران؟، ويبدو أن ترامب يدرك أن ايران يمكن القول أنها مفلسة من الناحية السياسية والاقتصادية، فهي غير قادرة على دعم نشاط وكلائها في المنطقة ، سواء في لبنان أو سوريا أو حركة حماس في غزة ، علماً أن ترامب في هذا الصدد قال بأنه غير واثق من امكانية استمرار اتفاق وقف اطلاق النار القائم منذ ايام بين اسرائيل وحماس ، موضحاً أن الدمار كان هائلاً جراء الحرب في غزة ، ويجب السعي لاعادة الاعمار والبناء وبطريقة مختلفة عن الماضي، وهذا التصريح لا شك انه يثير الاهتمام ، وهو ما يطرح عدة احتمالات ربما يتصل بعضها بخلفية ترامب المتصلة بالاقتصاد والمقاولات لذا يهمه الشق الاقتصادي المتعلق بإعمار غزة ، الى جانب التلميح باحتمالية حدوث تطبيع في العلاقات بين عدة اطراف في المنطقة ، مثل السعودية واسرائيل وبالتالي إحياء ما طرح سابقاً من اتفاقيات مثل الاتفاقيات الابراهيمية .
وفيما يخص ايران فأول تصريح للرئيس ترامب بهذا الخصوص ، هو بأن سياسة بلاده وادارته تجاه ايران أثبتت نجاحها في الضغط على النظام الايراني ، مؤكداً أن ايران مفلسة الان بعد حزمة الاجراءات ضدها بما في ذلك العقوبات التي فرضت عليها، مما يجعل ايران في حال لا يمكنها التوسع في بيع النفط كما كان سابقاً ، كما أنه لايمكنها أيضاً ان تدعم أحد ممن كانت تساندهم سابقاً ، فوكلاء ايران هم أيضاً مفلسين بمن فيهم حزب الله وحركة حماس وكل وكلائها في المنطقة ، مؤكداً أيضاً بأن الحروب في العالم يجب أن تتوقف ، بما في ذلك على سبيل المثال الحرب الدائرة بين اوكرانيا وروسيا ، فهذه الحرب من وجهة نظر ترامب كان من الواجب عدم نشوبها أصلاً ، و نفس الرأي بالنسبة لاحداث السابع من اكتوبر فقد كان من المفترض عدم تعرض اسرائيل لهذا الهجوم ، وما نتج عنه من حرب طاحنة بين اسرائيل وحماس .
ان وعود ترامب خلال الحملة الانتخابية توضح دون شك ملامح سياسته الخارجية كما هو الحال تماماً لتصريحه فور تنصيبه ووصوله للبيت الابيض، الذي وصله بعد انقطاع دام اربع سنوات ، وها هو الان يستعد لادارة ملفات عدة منها ملف الشرق الاوسط والحرب المشتعلة فيه، والتي نجح قبل تنصيبه في الضغط لوقفها ، والآن سياسته الخارجية تسعى لابرام اتفاقيات سلام بين اسرائيل والدول العربية في المنطقة مثل السعودية وغيرها من الدول ، وفي نفس الوقت وكما اشرت سابقاً بأن وضع أو دور ايران في المنطقة لا يمكن تجاهله ، فهي لاعب مهم لا يمكن التغاضي عنه ، بالرغم من الضربات القاسية التي تلقاها النظام الايراني خاصة في العام الاخير 2024م، بما في ذلك تحديداً العقوبات التي فرضت في ولاية ترامب الاولى (2017-2021)، حيث شهدت تلك الفترة الغاء ترامب للاتفاق النووي السابق مع ايران ، وبالتالي يرى ترامب ان على ايران تخفيض سقفها العدائي إذا كانت لا تريد الاستمرار الامريكي في سياسة الضغط عليها .
وفيما يتصل بالسياسة الامريكية مع روسيا ، والموقف من الحرب مع اوكرانيا ، والذي يشهد انعطافاً ملحوظاً في عهد ترامب ، فالاهم أنه لم يبدي اهتمامه وتأييده لكييف في الحرب، حيث أننا لا يمكن ان ننسى أو نغفل عن العلاقات الوطيده لترامب مع الرئيس بوتين ، معلقاً في كثير من المرات أنه لو كان على رأس ادارة البيت الابيض لما كانت الحرب قد نشبت بينهما اساساً، وأعتقد أنه في سياسته الخارجية بخصوص هذا الملف سوف يوجه حتماً الضغط على كييف للقبول بتسوية لهذا الملف ، ولو كان اتفاقاً لا يلبي مزاجها السياسي وطموحاتها .
و بالنسبة لملف النيتو والعلاقة والشراكة فيما بين امريكا واعضاء الحلف ، يبدو أن ترامب يرى أنهم عبء على امريكا ، خاصة أنه يُصر ويشدد عليهم بضرورة تسوية وتسديد المستحقات المترتبة عليهم ، كي تستمر امريكا بالدفاع عنهم ، وفيما يتعلق بملف الصين وادارة العلاقة الامريكية معها ، وتحديداً ما يمكن تسميته بالحرب الاقتصادية فان ترامب يتوعد بحرب تجارية بينهما تتضمن فرض تعرفة جمركية عالية على البضائع الصينية ، مما سيكون له دور في تحجيم صادرات الصين خاصة في الصناعات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي ، ولكن بعد تعيين ( ايلون ماسك) في ادارته الجديدة خاصة أن ماسك بتمتع بعلاقات جيدة مع القيادات الصينية ، يمكن القول بان ذلك قد يفيد في التوصل لتسويات معينة فيما يرتبط بملف الصين .
وبالتالي ربما نلاحظ تغييرات ملحوظة في سياسات ترامب في ولايته الثانية ، ففترة حكمه هذه ستشهد بالنسبة للملفات الرئيسية بصمة جريئة وصارمة من ترامب ، فهو يفعل ما يقول ويطبق ما يريد وهذا كان واضحاً في مواقفه السياسية ، ففور وصوله للحكم أعلن ترامب حالة الطوارىء الوطنية على الحدود مع المكسيك ، وذلك بهدف مواجهة الهجرة غير القانونية والتي باتت تعاني منها امريكا ، الى جانب ذلك اعلن ترامب على صعيد السياسة الاقتصادية اعطاء ادارته الامر بالعمل من اجل تقليص التضخم ، وخفض اسعار الطاقة والسعي لتحسين مستوى المعيشة العالي عالمياً ، كما أكد من انه سوف ينسحب فوراً من اتفاقية باريس للمناخ والتي اعلنت عام 2015م ، وقد اكد كل ذلك التوجه في السياسة في خطاب القسم الرئاسي ، والى جانب ذلك اكد نيته السيطرة على قناة بنما بدلاً من توجه الصين للسيطرة عليها علماً بأن ما نسبته 6% من تجارة العالم تمر عبرها ، وفي الوقت ذاته اعلن رئيس بنما بأن القناة ملك لبنما وستبقى تحت سيادتها.
وفيما يتصل بملف غزة فقد صرح ترامب أنه سوف يعاقب كل دولة تدعم وتؤيد حركة حماس ، وسيعمل ايضاً على دعم ملف ضم اسرائيل للضفة الغربية ، وذلك دون ان يرسل اي جندي امريكي للحرب في الشرق الاوسط ، ولكن سوف يمنح اسرائيل كل ما تحتاجه لمحاربة ما اسماه ( الارهاب)، وهذه الخطوة لاتعني تجاهل حقوق المواطنين في الضفة بعد عملية الضم، مؤكداً على ضرورة حل مشكلة معبر فيلادليفيا حيث سيكون لمصر اهمية بارزة في حل هذه المشكلة ، باعتبار المعبر مهم بالنسبة لمصر .
وأخيراً أريد أن اختم مقالي بالتركيز والاهتمام بما يتصل بالملف السوري تحديداً، كون سوريا ومستقبلها السياسي سوف يؤثر حتماً سياسياً على البلدان المجاورة ، خاصة ما يتعلق بالديمقراطية والدستور الجديد الذي من شأنه تحديد مستقبل الدولة السورية الجديدة ، فمن المفترض ان يكون لديها دستور مختلف عن الدساتير الماضية غير المتطورة، باستثناء دستور عهد الملك فيصل الأول بن الحسين في سوريا عام 1920 والذي تشكل من 12 فصلاً منها الفصل الثالث المتعلق بحرية وحقوق الافراد والجماعات ، وهو دستور متطور في ذلك الوقت قياساً بما عرف في سوريا من دساتير مثل دستور حزب البعث المتضمن حكم الحزب الاوحد المنفرد بالسلطة، ويتوقع ان يحسم الرئيس ترامب الضوضاء والاحتقان القائم في سوريا اليوم ، خاصة فيما يتعلق بالخصام بين الفرقاء الثلاث وهي وجود تركيا في سوريا والادارة الحالية المتمثلة باحمد الشرع وعلاقتهم مع سوريا الديمقراطية ، فسيضغط ترامب على الفرقاء الثلاث للحصول على حل في سوريا في اقرب وقت، وهو حتماً لا يريد عدم الاستقرار لسوريا، ونحن العرب أيضاً لا نريد الا الأمن لسوريا، وأعتقد أن الشعب السوري عانى الكثير وقد حان الوقت ليعيش في دولة ديمقراطية آمنة لكل مكونات المجتمع السوري المختلفة ، واعتقد أن توجه ترامب نحو وجود اتفاقية تطبيع مع السعودية والمنوي عقدها ، سوف تدفعه للتوجه وبنفس النهج بالنسبة للعراق وسوريا في المضي أيضاً نحو اتفاقيات سلام ، وسوف يصر ويؤكد على أن تكون سوريا دولة تخلو من السلاح والمسلحين خارج نطاق سلطة الدولة السورية الجديدة وجيشها الوطني ، وسوف تبقى امريكا داعم لموضوع سوريا الديمقراطية ومتحالفة معها لهذه الغاية ، كون داعش ما تزال متواجدة في الاراضي السورية حتى الان ، اضافة لتعرض مدن منبج ومنطقة سد تشرين للهجوم العسكري التركي ، وسوف تسير السياسة الامريكية هذا المنحى لحين حلحلة الوضع وتبلور فكرة انشاء دولة سوريا الجديدة الديمقراطية التعددية .
الرئيس ترامب على ما يظهر من ملامح سياساته يسعى للسلام والوفاق بين الفرقاء ، وحتماً يمكن الوصول بذلك لغاية ضرورية وهي بناء الدول والاهم بناء نفوس الناس وايمانهم بفكرة السلام والاستقرار والعدالة ، فالمحبة والتعايش السلمي والمواطنة الحقيقية وليست المزيفة بين كامل مكونات المجتمع واطيافه واعراقه وعقائده الدينية كلها مسألة مهمة في عالمنا اليوم.