دعايات مثيرة للشبهة على مواقع التواصل.. د.ماجد الخواجا

{title}
أخبار دقيقة - تمتلئ القنوات الفضائية والمواقع الإعلامية الإلكترونية فيما لا يدعى بالإعلانات والدعايات مدفوعة الأجر، ودخل بقوة على هذا السياق من يسمون بالمؤثرين الذين وجدوها فرصةً سانحة لتحصيل عوائد سهلة ويسيرة ودون أي مجهود أومتطلبات، يكفي أن يقوم بزيارة لمطعم أو محل أو مصنع أو شركة ويبث منها مقاطع مع ضرورة تهيئة حركات جسمية ولفظية يبدي فيها المؤثر انبهاره ودهشته من المنتج السلعة ومن مذاقها أو جودتها وطبعاً من سعرها الخيالي.
منذ أيام انهالت عبر صفحات المؤثرين الأردنيين دعاية مكثفة بشكل غريب عن منتج وأنه الحل الشافي المعافي لكثيرٍ من الأزمات الصحية، وسرعان ما اهتبل الفرصة المذيعون والمذيعات الذين أيضاً بات لهم حضور في نشر مثل هذه الدعايات، حتى أن هناك برنامجاً صباحياً أصبح بالكامل تقريباً يعرض منتجات وسلع مع استخدام لغة جاذبة يتم فيها تقديم المنتج بأنه الحل السحري وأنه المقطوع وصفه، وأن علينا سرعة التحرك من أجل شراء المنتج.
كنت من أوائل وربما الوحيد الذي تناول ما يعرضه أحدهم عبر صفحاته بما سمّي بعقود المضاربة، حيث كان واضحاً لكل من لديه حد أدنى من الوعي أن ما يقدمه هذا الشخص عبارة عن حقن من الأوهام والخداع والتزوير، واستطاع أن يستقطب الملايين من المتابعين الذين وقع كثير منهم في حبال هذا المضلل، إلى أن تم التعامل معه قضائياً وأتمنى أن لا تكون حجم الخسائر التي خلفها وراءه كبيرة. هذا الشخص قام بعض المذيعين بإجراء مقابلات معه للحديث عن مشاريعه وأفكاره، حتى أنه أصبح يظهر طيلة الوقت على هذا الموقع وذاك.
هناك أشخاص استغلوا مواقع التواصل التي هي بدورها شجعتهم وأغرتهم على دخول معترك الدعاية لكن ببدايات ساذجة، حيث كان الشخص يعتمد على صوته وحركاته وبعضاً من الممارسات الغريبة لكي يجتذب المتابعين والمستغفلين. ولغايات استدراج المتابعين، يقوم الناشر بطلب تخفيض السعر للسلعة أو بتقديم السلعة مجاناً لأول المشترين وهكذا. طبعاً ليس مطلوباً من هذا الشخص إثبات صحة ما يقول عن المنتج أو السلعة، فقط مطلوب حصد أكبر عدد من المتابعين ليحصد هو في نهاية البث على عائدٍ محترم وتنتهي علاقته بالسلعة وصاحبها عندها. مع نسبة ليست بالبسيطة من العائد يتم تقاضيه من طرف الموقع الإلكتروني.
لست ضد الدعاية والترويج بحد ذاته، فهي وسيلة تهدف إلى إيصال السلعة لأكبر عدد من المستهلكين أو الزبائن، وهذا حق مشروع ومفهوم، لكن ما يتم في كثيرٍ من الأحيان استخدام الخداع والتضليل وعدم المصداقية في تقديم المنتج وبيان جودته الحقيقية.
لا أريد الحديث عن كثيرٍ من الدعايات المشبوهة والمدفوعة الأجر خاصةً تلك التي تروّج لمنتجات تعالج الأمراض المزمنة مثل السكري والضغط وأمراض القلب والأعصاب والكبد وآلام الفقرات والرقبة وغيرها حتى السرطانات. ناهيك عن الدعايات لأطباء الولادة أو الإنجاب بالزراعة وأمراض العقم، والأسنان وزراعة الشعر.
ولا ننسى تلك الموجات التي تهدأ قليلاً ثم سرعان ما تعود بشكلٍ أقوى وأعني بها الدعايات لما يدعى بحفر الآبار الخيرية، وطبعاً هذه الآبار ليست في بلادنا وإنما في بنغلاديش والهند والكونغو وسيراليون وربما لمدغشقر، وزراعة النخيل أو الزيتون الخيرية، أو لبناء مساجد يدعي صاحب الدعاية أنها بحاجة لاستكمال تجهيزها أو بنائها.
إنها سلسلة ضخمة من بناء اقتصادي وهمي يمكن أن نطلق عليه اسم اقتصاد الظل أو الموازي أو الأسود لأنه نادراً ما يندمج في الاقتصاد المجتمعي الفعلي، ونادراً ما يمكن ملاحقته وتحصيل الضرائب والرسوم عليه، نادراً ما يمكن فرض الرقابة على عملياته ومجرياته. إنه بمثابة الثقب الأسود في المجتمع.
تصميم و تطوير