المرحلة التأسيسية لسوريا المستقبل الجديدة
أخبار دقيقة -
كتب - كريستين حنا نصر
اليوم نجد أن الدولة السورية وعلى وجه الخصوص بعد اسقاط نظام البعث السوري الحاكم فيها ، والمتمثل بالرئيس السابق بشار الاسد الهارب إلى روسيا ، سيطرت عليها جبهة تحرير الشام وقائدها أحمد الشرع، خاصة بعد نجاح العمليات الخاصة الخاطفة من قبل فرقة العصائب الحمراء ، والتي كان لها دوراً بارزاً في اسقاط النظام في العاصمة دمشق ، والآن هذه الدولة السورية تمر في مرحلة حساسة وعصيبة لحين تأسيس سورية الدولة أي سوريا الجديدة ، والتي تختلف كلياً عن ما يمكن ان نطلق عليه سوريا الأسد وحزبها البعث الحاكم لحوالي 53 سنة مضت من تاريخ سوريا .
هي بالتأكيد مرحلة صعبة وحساسة تمر فيها سوريا أحمد الشرع ، وأهمها وأولها الملف الأمني المتعلق بفرض السيطرة وضبط الأوضاع الأمنية فيها ، وذلك لضمان عدم وقوع أي مظاهر فوضى أو حرب أهلية فيها ، وفي الوقت نفسه أيضاً السعي للبحث والقبض على فلول النظام السابق الموالية للاسد ، والتي توجه لها التهم المتعلقة بممارسة انتهاكات مختلفة منها التعذيب والخطف من أجل الابتزاز والمطالبة بمبالغ مالية كبيرة كفدية ، كذلك استغلال قوة السلطة وظروف الحرب في سوريا ، ناهيك عن فظائع السجون ومنها سجن صيديانا السياسي وسجن المخابرات الجوية ، هذه السجون التي تُنسب لها جرائم فظيعة جرت باستخدام أساليب قمعية مختلفة ، إضافة الى ذلك ما تزال بعض المناطق عصية على دخول قوات الأمن الجديدة مثل منطقة السويداء ، ذات الاغلبية الدرزية والتي منعت قوات الشرع من دخول المدينة وجرى اطلاق نار متبادل معها .
أما المرحلة الثانية والأهم هي مرحلة بناء العلاقات الخارجية مع عدة دول ، حيث وبعد اسقاط نظام بشار الاسد ، بدأت العديد من الدول بارسال وفود لدمشق للقاء مع أحمد الشرع ، وذلك دعماً منها للمرحلة الجديدة ، وبعض الدول قامت بفتح سفاراتها من جديد بعد أن كانت قد قامت باغلاقها بسبب قيام الثورة عام 2011م، ومن هذه الدول الأردن والسعودية والعراق وقطر وتركيا وفرنسا والمانيا وامريكا وأوكرانيا ، ولعل أهمها السعودية التي أكدت دعمها ومساندتها لأحمد الشرع من اجل احكام سيطرته على زمام الأمور في سوريا ، خاصة في وقت مهم وهو الايام الأولى من اسقاط النظام ، حيث قدمت السعودية النفط لسوريا في رسالة سياسية واضحة تتضمن دعم أحمد الشرع ، وظهرت كنتيجة مباشرة لذلك عملية تزويد محطات الوقود ( الكازيات) بما تحتاجه من البنزين والديزل والكفيلة بتشغيل قطاع النقل والسيارات بعد أن كان الوقود شبه مفقود ومعدوم في عهد بشار الاسد ، وفي الوقت نفسه وبالتزامن مع ارسال الوقود جرى ضخ الاموال أيضاً ، وقد أنعكس ذلك في صرف الرواتب للشعب السوري، هذه الخطوة المهمة أدت دون شك الى نجاح في سلاسة انتقال السلطة والسيطرة على إدارة الدولة وبشكل تدريجي ، وساهمت في منع خروج الامور عن السيطرة من ادارة أحمد الشرع.
وفي سبيل تعزيز العلاقة مع السعودية زارها وزير خارجية الحكومة المؤقتة السورية يرافقه وزير الدفاع ورئيس الاستخبارات العامة لبحث سبل التعاون وفي مختلف المجالات والميادين وأهمها ملف الاقتصاد وإعادة الاعمار وغيرها ، وهنا أيضاً وفي ملف العلاقات الدولية الاقليمية نلاحظ أن الاردن تطلع نحو منح الدولة السورية وتزويدها بالكهرباء عبر الحدود الشمالية وتحديداً من خلال مدينة درعا، وهنا أريد أن أشير الى أمر مهم وهو أن هذه المرحلة المهمة في انشاء سوريا الجديدة ، نجد أنها تدريجياً بدأت تعود إلى حضنها العربي ، بعد أن كانت تحت النفوذ الايراني وأيضاً النفوذ التركي ، وهذا الاخير ما يزال حتى الان يحتل مناطق من الجغرافية السورية مثل عفرين وجرابلس والباب في منطقة الشمال السوري أي غرب نهر الفرات.
وهنا يجدر القول بأنه يجب على الدول العربية انتهاز واستغلال هذه الفرصة التاريخية من أجل التعاون مع الدولة السورية الجديدة وفي كافة المجالات وعلى مختلف المستويات ، وذلك بهدف اعادة سيادة الدولة السورية على كامل أراضيها والمساهمة في اعادة قوة الدولة خصوصاً الجانب الاقتصادي فيها ، وأعتقد أن الدول العربية قادرة على دعم سوريا بدلاً عن دول خارج اطار الدول العربية ، تلك التي تسعى نحو فرض سيطرتها على الاقتصاد السوري ، وبالطبع فانه على مستوى اعادة الاعمار في سوريا فان الدول العربية القوية اقتصادياً وعلى الاخص دول الخليج العربي هم على درجة أولى في دعم هذا الملف كعرب دعماً منهم لسوريا الجديدة.
الموضوع الآخر المهم في هذه المرحلة هو الوضع الأمني الداخلي لسوريا الجديدة ، وهو كما صرح أحمد الشرع يتعلق ببناء الجيش السوري الجديد ، حيث سيتم كخطوة أولى دمج جميع الفصائل المسلحة بما فيها جيش سوريا الديمقراطية والذي صرح عدة مرات قائدها مظلوم عبدي أنهم على استعداد للاندماج الجيش السوري الجديد وفق شروط معينة سيتم التوافق عليها لاحقاً ، حيث أن جيش سوريا الديمقراطية المدعوم من أمريكا كان هدفه الابرز هو القضاء على تنظيم داعش في سوريا ، وايضاً في هذه المرحلة توجد مناوشات عسكرية بين جيش سوريا الديمقراطية والجيش الوطني المدعوم تركياً في مدينة منبج ، حيث يسعى جيش سوريا الديمقراطية نحو تنظيف هذه المنطقة من هذه الفلول استعداداً للانتقال الى المرحلة القادمة وهي التسوية والانتقال الى الجيش السوري الجديد، كما صرح وزير خارجية سوريا أسعد الشيباني بخصوص هذا الملف ، تأكيده على استعداد بلاده وبالتنسيق الكامل مع العراق أيضاً على مواجهة داعش.
وهنا لابد من الاشارة الى اهمية هذا التنسيق الأمني وانشاء الجيش السوري الجديد باعتباره سوف يؤكد ويحدد في الوقت نفسه مستقبل سوريا الجديدة ، والتي اعتقد أنها اي سوريا سوف تكون موحدة دون تقسيم وبالطبع في سياق وحال تمكنهم من القضاء على أي جيش احتلال على اراضي سوريا ، سوريا الموحدة بنظام ديمقراطي لا مركزي تعددي ، فمن المعلوم أن الجيش السوري في الماضي كان قائم في فلسفته كجيش سوري عقائدي حيث يدين بالولاء للحاكم والنظام وليس جيش وطني ، من هنا أعتقد أن الشرع يسعى الآن وبكل عزم وارادة نحو تأسيس جيش سوري جديد وطني يختلف كلياً عن جيش الاسد العقائدي ، وجيش سوريا الجديدة سوف يكون هدفه ومساعيه حماية سوريا الدولة وليس حماية نخبة حاكمة مع قادتها .
إن الظاهر والواضح اليوم يوحي بأن وجه الحكم الجديد في سوريا وسمته هي التعددية ، وهذا الامر بات واضحاً في التصريحات الجديدة ومن خلال اصرار غربي على مشاركة كامل أطياف المجتمع السوري ، ووفق كامل الخريطة الفسيفسائية المتكونة من عدة طوائف وأديان وأعراق ، جميعهم سيكون مشارك في الحكومة الجديدة وبحسب الكفاءة وليس على أساس العرق والدين ، اي أنها ستكون حكومات تكنوقراط أساسها ومعيارها الكفاءة والتميز والخبرات ، ومن كل المكونات السورية ومنها الاغلبية السنية والعلويين والدروز والمسيحيين والاسماعيليين والكرد ، وهنا أريد توضيح مسألة مهمة وهي ان الكرد السوريين الذين كانوا مظلومين وغير قادرين على نيل كافة حقوقهم من نظام البعث السوري الاسدي السابق ، ولم يحصلوا على جنسية سورية ولم يتاح لهم أيضاً في المدارس دراسة لغتهم الأم خاصة في المناهج ، اصبحوا أمام فرصة تاريخية للحصول على هذه الحقوق الاساسية ، كذلك الحال بالنسبة للاقلية السريانية والتي تسعى الآن للحصول على حقوق السريان في دراسة اللغة الأم أي السريانية في مدارسهم أيضاً .
من الواضح أن الأمور تتجه الى النجاح في رسم خارطة وخطوط سوريا الجديدة ، وعلى وجه خاص مع نجاح سياسة أحمد الشرع حتى الآن في السعي للسيطرة في ربط كل الحبال الشائكة لسورية الماضي المتعثرة ، ووجود ملامح ارادة فاعله منه في انشاء سوريا جديدة موحدة ذات جيش وطني واحد وشعب واحد دون أي نزعة طائفية لماضي سوريا الذي شهد على مدى 13 عاماً حالة من الاقتتال والحرب الأهلية ، وهذا بلا شك سيتكلل في الاجتماع المرتقب والمتمثل بمؤتمر وطني يضم كل مناطق سوريا حيث من المقترح دعوة 1200 شخصية سورية من الداخل والخارج على مستوى الأفراد وليس الكيانات، الى جانب ما بين 70 إلى 100 شخص من كل محافظة، من كافة الشرائح والمكونات ، في مؤتمر وطني جامع لبحث المرحلة الجديدة ولانشاء حكومة جديدة بعد هذه المرحلة المؤقتة التأسيسية .
وختاماً أتمنى أن تنجح جهود أحمد الشرع وحكومته المؤقتة لانشاء الدولة الجديدة الديمقراطية التعددية ، سوريا المستقبل الحديثة .