حديث الطرقات.. اربد – دمشق وبالعكس
أخبار دقيقة -
عدنان نصار
مدينة إربد أكبر المدن الأردنية بعد شمال العاصمة تبعد عن دمشق مسير ساعة ونصف بالسيارة ، ونفس المسافة تبعد اربد عن القدس المحتلة ..وفي سياق المسافات ، تكمن مساحات في ذاكرة المدن ..ولها حصة كبيرة في ذاكرة الناس ..، ذاكرة من واكبوا الآرمات الإسترشادية التي كان يكتب عليها "سفريات” ..وفي السياق ذاته كان الواحد منا يقرأ على جانب الحافلة/الباص ..او سيارة الركوب المتوسطة :”اربد – دمشق وبالعكس ..تجاورها حافلة أخرى كتب على جانبها :”إربد – الفدس وبالعكس..فيما كانت سيارات متوسطة تحمل نفس المعنى لمن أراد السرعة بالسفر وعدم إنتظار الحافلة ..، أما :”اربد – نابلس وبالعكس ، فتلك حكاية أخرى ، غير انها كلها تصب في مجرى واحد :”ذاكرة المكان ..ذاكرة الإنسان” وما بينهما من قصص وحكايات وجدانية تستنهض المخبوء فينا في حاضرنا الذي يشكل جزء مهم من ماضينا العريق..ماض ما زال طازجا في ذاكرة الناس .
إربد، مدينة الناس الطيبة ، ولها عبقرية خاصة في فرد ظلالها على العابرين لطرقاتها ..وللمدينة تاريخ تجاوز ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد أن لم يكن أكثر، فهي في عرف التاريخ "آرابيلا” المشاكسة لتحالف الديكابوليس زمن إمبراطورية الرومان.
في الذاكرة الوجدانية، المحاذية تماما للذاكرة السياسية، تسعى الذاكرة لإزاحة الغصن اليابس، لتستنهض الغصن الأخضر ، وتضع في يد الذاكرة راية لغرسها على قمة جبل يخلو من المنحنيات الوعرة ..، هناك حيث حديث الطرقات .!
دمشق ، تبعد عن مدينة اربد نحو 120كم ..،وهي بذلك وفق قول الموروث :”على مرمى حجر.. أو لنحرف المثل ،على مرمى وردة.. ففي المسير من إربد الى دمشق ، يإخذك الحديث عن الشام ..الشام التي تمتلك الماء الكاف للوضوء ، للخلاص من رجس الشيطان وإتباعه ..للخلاص من كل الذين أرتدوا أقنعة الردة، واللعب بالأوراق السياسية لقتل ما أمكن بذرائع تبدو أكثر ميلا للأقنعة السوداء..على ضفاف الطريق نحو دمشق ترى بوضوح كيف سقطت الأقنعة ، وكيف كشفت الطرقات هوية القتلى ..وكيف كان الإنسان أكثر قهرا وأرخص في تسعيرته من دفتر رسم لتوثيق المشهد ..سقطت الأقنعة ، بإختصار شديد .
إربد -دمشق ..نمر من جانب أبواب درعا ..، ثم نتجه نحو الشمال الى دمشق ، نتابع المسير ، كل شيء يشير الى مرحلة جديدة قد بدأت .
في سياق الذاكرة ، نغوص في أعماق الشخصية الجوانية للمكان ، تتجلى الصورة ، وتفيض إوعيتنا ووعيتنا بعطر الشام ورذاذ ياسمين دمشق ..، تأخذنا الأسماء من المدينة الحبيبة اربد الى دمشق العراقة ..أسماء على آرمات بوابات المحلات ..ففي دمش كما إربد أسماء لعائلات :الخياط ، النجار ، الزعبي، الطباع ، الصباغ ، بندقجي ، الشرع ، الجروان ..تتبختر في الأحياء التجارية العتيقة وسط دمشق ، تدرك أن تشابه الأسماء له عمق عربي الهوى ، شامي اللسان ، وللمدن العتيقة عروق لا يتوقف فيها نبض الحياة .
لم يذبل ياسمين دمشق ، غير أن السنونو الذي هاجر وهجر قسرا من حارات دمشق العتيقة ، يعود تدريجيا ، يحلق على أرتفاعات منخفضة ، تلتمع إجنحته كما لو أنه يغني طربا ..حتى هديل حمام "الإموي” صار أكثر تناغما ، وأكبر ترتيلا، وأوسع تحليقا ..!
دمشق الوادعة الآن، ترتدي عباءة الحزن المقدس..الحزن على الذين عبروا الطرقات نحو الحرية ما قبل الثامن من ديسمبر ..جمال الآتاسي، سهير الآتاسي، ميشيل كيلو ، مأمون الحمصي ، وأسماء لا تنتهي ..دمشق الآن إكثر مفخرة بعد الخلاص من "عزرائيل صيدنايا”.. ودمشق الآن فيها فائض من أوعية الذكر ..، وفيها تلتمع نجمات الحرية.. دمشق أكثر بريقا.. وعلى جنباتها وحاراتها القديمة عطر يمنحك رذاذ بردى.
كاتب وصحفي أردني..