#عاجل...البلدة القديمة للخليل... من هنا مرت الحضارات - صور
قال أستاذ التاريخ في جامعة القدس المفتوحة نعمان عمرو إن وجود قبور الأنبياء أسفل ما أصبح لاحقاً المسجد الإبراهيمي أدى إلى إقامة البلدة القديمة للخليل وتوسعها لاحقاً في محيطه على مدار الحقب التاريخية.
مع أن مدينة الخليل يعود إنشاؤها إلى ما قبل ثلاثة آلاف عام قبل الميلاد فوق "تل الرميدة" على يد الكنعانيين، إلا أن بلدتها القديمة الحالية تلاصق المسجد الإبراهيمي، حيث كان السبب الرئيس في إقامة تلك البلدة قبل عشرات القرون.
وبدأ الانتقال من تل الرميدة إلى البلدة القديمة اعتباراً من العصرين الروماني والبيزنطي، قبل أن تتوسع في عهد الدولة الأموية ثم العباسية، وتبلغ أوجها في عهد الدولة المملوكية. ومع أن البلدة القديمة لمدينة الخليل بدأ تأسيسها على يد الدولة الفاطمية في القرن العاشر الميلادي، إلا أن النهضة العمرانية فيها تعود إلى الحقبة المملوكية في القرن الـ12.
وتشهد مئات المباني في البلدة على الحقبة المملوكية، حيث احتفظت حتى الآن بطابعها العمراني لتلك الفترة، على رغم مرور مئات السنين على تشييدها. فعلى مساحة لا تتجاوز الكيلومتر مربع الواحد تقع البلدة القديمة للخليل، في وادٍ محاط بالجبال.
واكتسبت مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية اسمها من النبي "إبراهيم الخليل"، الذي يعتقد الكثيرون أنه مدفون مع زوجته سارة وأبنائه وزوجاتهم في مغارة "المكفالاة" أسفل ما أصبح لاحقاً المسجد الإبراهيمي. وتربط الطرق الضيقة (القناطر) بين حارات البلدة القديمة للخليل، التي تنتشر فيها المنازل والأسواق والمساجد.
قبور الأنبياء
وأشار أستاذ التاريخ في جامعة القدس المفتوحة نعمان عمرو إلى أن وجود قبور الأنبياء أسفل ما أصبح لاحقاً المسجد الإبراهيمي أدى إلى إقامة البلدة القديمة وتوسعها لاحقاً في محيطه على مدار الحقب التاريخية.
وبحسب عمرو فإن مدينة الخليل بدأت من تل الرميدة في قمة جبلية تشرف على البلدة القديمة قبل أن تنتقل إلى أسفل في نحو 1800 قبل الميلاد إثر دفن سيدنا إبراهيم في المكفالاة. وأوضح أن البلدة القديمة تحولت منذ انتهاء حروب الفرنجة إلى مركز حضاري وتجاري عمراني وديني وتعليمي.
ويدور جدل حول حقيقة دفن النبي إبراهيم وذريته في الخليل، لكن الجميع يشيرون إلى أن المدينة استقر فيها إبراهيم قادماً من العراق. وقال أستاذ التاريخ في جامعة الخليل شوكت حجة إن المغارة أسفل المسجد الإبراهيمي "شكلت منذ الحاكم الروماني هادريان في السنة الرابعة قبل الميلاد نواة للبلدة القديمة".
ووفق حجة فإنه "لولا المسجد الإبراهيمي لما ذكرت الخليل، حيث كان في البداية معبداً وثنياً ثم كنيسة ثم أصبح مسجداً بعد الفتح الإسلامي". وأشار إلى أن المسجد الإبراهيمي "تم سقفه في عهد الدولة الأموية، قبل أن تستكمل الدولة المملوكية بناءه وتوسيعه كما يبدو شكله في الوقت الحالي".
وبحسب حجة فإن الدولة المملوكية وبهدف "اكتساب الشرعية لحكمها اهتمت بالناحية الدينية والتدريس، كما شجعت على انتشار الطرف الصوفية التي توجد زواياها في البلدة القديمة إلى الوقت الحالي".
لكن حجة أوضح أن البلدة القديمة للخليل شهدت توسعاً عمرانياً واقتصادياً في القرن العاشر الميلادي بسبب وقوعها على طريق التجارة بين الصين والهند وبلاد الشام ومصر عبر اليمن جنوباً، وذلك بعد قطع الدولة العباسية طريق بغداد التجاري".
ويوجد الكثير من الآثار الشاهدة على الحكم البيزنطي، حينما تم تحويل مغارة المكفالاة إلى كنيسة في القرن السادس الميلادي، حيث أقيم تجمع سكاني قربها ليشكل أول حارة (الروم) في البلدة القديمة، بحسب أستاذ علم الاجتماع أحمد الحرباوي.
وأشار الحرباوي إلى وجود قلاع صليبية قرب الحرم الإبراهيمي ما زالت آثارها حتى اليوم، مشيراً إلى أنه تم اكتشاف قبور الأنبياء أسفل المكفالاة في عام 1117، وهو ما أسهم في النهضة العمرانية للمنطقة في ذلك الوقت. وأوضح أن مدينة الخليل كانت تضم السلاجقة والأكراد حتى قبل مجيء صلاح الدين الأيوبي، إضافة إلى العرب والسريان.
وشهدت المدينة مذبحة كبيرة في عام 1455 بين الأكراد وبقية سكان المدينة وفق الحرباوي، مشيراً إلى أن الدول العثمانية سحبت بعد سيطرتها على الخليل الوظائف من سكان المدينة ومنحتها للأتراك الذي جاؤوا إلى المدينة.
وخلال الحملة المصرية (على يد محمد علي وابنه إبراهيم) على مدينة الخليل وبقية بلاد الشام، تعرضت أجزاء كبيرة من البلدة القديمة للخليل إلى التدمير في عام 1834. ثم في عهد الانتداب البريطاني شهدت مدينة الخليل توسعاً خارج بلدتها القديمة لتصل إلى شارع بئر السبع وعين سارة بعد قدوم اليهود على يد الحركة الصهيونية.
مستوطنات
ومع وقوعها تحت الاحتلال الإسرائيلي عام 1967، شهدت البلدة القديمة إقامة الإسرائيليين مستوطنات في قلبها وفي محيطها. وتخضع البلدة للسيطرة الإسرائيلية الكاملة، ويحولها الجيش إلى ثكنة عسكرية يخضع من يدخلها إلى إجراءات أمنية مشددة.
وفي عام 2017 أدرجت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو) البلدة القديمة في الخليل على لائحة التراث العالمي المهدد بالخطر. وبهدف الحفاظ عليها، وإعادة الحياة إليها، شكلت السلطة الفلسطينية قبل نحو 30 عاماً لجنة لإعادة إعمارها (لجنة إعادة إعمار الخليل).
وتمكنت اللجنة من ترميم مئات المباني العامة والخاصة والمواقع التاريخية والدينية والمقامات ومعاصر الزيتون والسمسم، وكذلك البيوت والمتاجر في وإعادة تأهيلها. وقال مدير اللجنة مهند الجهبري إن المشروع أسهم في "عودة آلاف الفلسطينيين إلى تلك المنازل بعد إعادة ترميمها".
وأوضح الجعبري أن اللجنة تحرص على "تطويع تلك المباني لتلائم الحاجات العصرية للسكان من خلال إجراء تدخلات بالحد الأدنى عليها بهدف الحفاظ على أصالتها وقيمها التراثية".
وتتألف البلدة القديمة من عدة حارات أبرزها، حارة "القزازين" التي اكتسبت اسمها من صناعة الزجاج، وحارة "السواكنة" و"بني دار" وسميت بهذا الاسم نسبة إلى "الداريين الذين يتصلون بنسبهم بالصحابي تميم بن أوس الداري". ومن بين تلك الحارات أيضاً، حارة "العقابة"، و"القلعة" وأخذت اسمها من القلعة الصليبية في المكان، و"الحوشية" و"المحتسبة" و"المدرسة"، إضافة إلى حارة "اليهود" و"المشارقة" و"قيطون"، و"الشيخ علي بكا" و"الزاوية".