غليان غير مسبوق في الحكومة الإسرائيلية.. ما التداعيات؟
أخبار دقيقة -
عمق الإعلان عن تشكيل فريق للتحقيق في هجوم حماس المباغت في السابع من أكتوبر المنقضي، الخلافات والانقسامات داخل الحكومة الإسرائيلية، وسط توقعات بأن تؤثر مستقبلا على مسار الحرب في غزة، والتماسك بشأن حكومة الحرب التي جرى تشكيلها على وقع العمليات العسكرية التي يخوضها الجيش الإسرائيلي ضد حركة حماس، مستهدفا بذلك القضاء على قدراتها السياسية والعسكرية. كان اجتماع كبار وزراء الحكومة الإسرائيلية الذي كان يهدف لمناقشة التخطيط لإدارة قطاع غزة في أعقاب الحرب، قد انتهى مساء الجمعة بشكل فوضوي إثر الخلاف الحاد بين الوزراء وقادة الجيش، على خلفية توقيت التحقيق، وضم وزير دفاع سابق لرئاسته. وبينما تدخل الحرب في غزة من دخول شهرها الرابع على التوالي، لا تزال سلسلة الخلافات مستمرة بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزراء حكومته، وكذلك مع قادة الجيش وفي القلب منهم وزير الدفاع يوآف غالانت، ورئيس الأركان هرتسي هاليفي، الذي تعرض لـ”انتقادات عاصفة” من عدد من الوزراء خلال اجتماعهم الأخير. ويعتقد مراقبون ومحللون في تصريحات لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن التحقيق الراهن سيكون له تداعيات لاحقة قد يكون من بينها انهيار حكومة الطوارئ، كما سيلقي بتداعيات على مسار العمليات العسكرية التي يشنها الجيش، بالنظر لازدياد الفجوة وانعدام الثقة بين المستويين السياسي والعسكري. ماذا يحدث في إسرائيل؟ انتقد حلفاء نتنياهو، القيادة العسكرية الإسرائيلية للمضي قدما في إجراء تحقيق بشأن أسباب هجوم حماس، مما كشف التوترات حول الإخفاقات قبل 7 أكتوبر. بينما اعتذر جميع كبار المسؤولين الأمنيين في إسرائيل علنا عن الإخفاقات غير المقبولة قبل 7 أكتوبر، قاوم نتنياهو منذ فترة طويلة الاعتراف بالمسؤولية، وقال فقط إنه سيكون هناك وقت للرد لـ”إعطاء ردود على ما جرى”. واعتبرت صحيفة “فاينانشال تايمز”، أن الموقف السياسي الذي اتخذه نتنياهو هو مقدمة لحملة لإلقاء اللوم فقط على قادة الجيش والاستخبارات في البلاد، دون المساس بمستقبله الحكومي. أصر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري، على أن “التحقيق العملياتي” في إخفاقات 7 أكتوبر كان ضروريا لقتال الجيش في غزة، فضلا عن إعداد نفسه للجبهات الأخرى، مؤكدًا أن التحقيق ليس بديلا عن أي تحقيقات خارجية. جاءت هذه التصريحات على خلفية اجتماع لمجلس الوزراء الأمني انتهى بغضب شديد بين الوزراء ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي، حيث ندد المشرعون اليمينيون بخططه للتحقيق في الأخطاء المرتبطة بهجمات حماس. كما أعرب الوزراء عن غضبهم إزاء ضم وزير الدفاع السابق شاؤول موفاز، بسبب تورطه في الانسحاب من غزة عام 2005، ويأمل البعض في اليمين المتطرف في التراجع عن فك الارتباط عن القطاع في أعقاب الحرب ضد “حماس”، وهي فكرة تعتبر على نطاق واسع غير ناجحة، بحسب “تايمز أوف إسرائيل”. ذكرت تقارير في وسائل الإعلام العبرية، التي نقلت عن مشاركين لم تذكر أسمائهم في جلسة مجلس الوزراء العاصفة ليلة الخميس، أن نتنياهو قطع الاجتماع بعد ثلاث ساعات مع صراخ اندلع عندما جاء بعض الوزراء للدفاع عن هاليفي، في حين لم يتدخل لوقف هجوم رئيس الأركان. غادر بعض مسؤولي وزارة الدفاع في وقت مبكر، احتجاجا على معاملتهم داخل مجلس الوزراء. استمر الخلاف حتى الجمعة، حيث حذر عضو مجلس الحرب بيني غانتس، نتنياهو من الاختيار بين الوحدة أو ممارسة السياسة، ورد حزب الليكود الحاكم على غانتس، مدافعًا عن سلوك الوزراء اليمينيين. ونقلت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، عن وزراء لم تكشف عن أسمائهم، إن ائتلاف الطوارئ لن يدوم طويلا في وضعه الحالي، وأن نتنياهو وحلفاءه يحاولون إلقاء اللوم على كبار المسؤولين الأمنيين جراء هجوم 7 أكتوبر. وقال مسؤولون في الجيش الإسرائيلي للقناة 12 الإخبارية: “نحن نقاتل في غزة ولبنان والضفة الغربية، وهناك من في مجلس الوزراء يقاتلوننا”. ويصر نتنياهو على أن مثل هذا التحقيق لا يمكن أن يتم إلا بعد انتهاء الحرب، حيث يزعم المنتقدون أنه يكسب مزيدا من الوقت من أجل البقاء في منصبه. وانشق وزير الدفاع يوآف غالانت عن حزبه وأصدر بيانا في وقت متأخر من الجمعة قدم فيه دعمه لهاليفي، بينما خاض وزير الأمن القومي اليميني المتطرف إيتمار بن غفير النزاع بعد بيان غانتس، متهما إياه بمحاولة إسكات النقاش، وبالضغط للسماح للسلطة الفلسطينية بالسيطرة على غزة بعد الحرب. بحسب موقع “واينت”، أبلغ هليفي مسؤولي الدفاع أنه سيتم إجراء “تحقيق مهني من قبل مراقبة خارجية لفحص سلوك الجيش في الحرب لتحسين أدائه في المستقبل”، وأعاد التأكيد على أن الفريق لن يحقق في أي جانب من جوانب الرد الإسرائيلي على المستوى الوطني والسياسي. كما هاجم زعيم المعارضة يائير لابيد، الذي رفض الانضمام إلى حكومة الوحدة، سلوكهم في اجتماع مجلس الوزراء، واصفا إياه بأنه “نزول إلى أعماق غير مسبوقة”. وأدى الخلاف إلى ظهور التوترات القائمة منذ فترة طويلة بين الجيش وبعض أعضاء ائتلاف اليمين المتشدد بشأن السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين على السطح، مما كشف عن تصدعات في الجبهة الموحدة إلى حد كبير التي قدمتها الحكومة منذ اندلاع الحرب قبل ثلاثة أشهر، وفق تعبير “تايمز أوف إسرائيل”. تبعات الأزمة يعتبر المحلل الفرنسي المتخصص في العلاقات الحكومية والشؤون الدولية، فرانك فارنيل، في تصريحات لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن الصراعات التي واجهتها الحكومة الإسرائيلية السياسية والأمنية، أبرزت التعقيدات التي تنطوي عليها مواءمة الأجندات، لا سيما عند التعامل مع ممثلي اليمين المتطرف. ووفق “فارنيل”، ظهرت هذه الخلافات خلال المداولات حول مستقبل قطاع غزة، وتوقفت مؤقتا بعد انتقادات من بعض الوزراء اليمينيين بشأن قرار رئيس أركان الجيش الإسرائيلي بدء التحقيق في الخروقات الأمنية التي ظهرت يوم 7 أكتوبر الماضي. وأضاف: “لقد كشف هذا الخلاف عن توترات طويلة الأمد بين الجيش وبعض أعضاء الائتلاف اليميني المتشدد فيما يتعلق بالسياسات الإسرائيلية المتعلقة بالفلسطينيين”، مشيرًا إلى أن تصاعد الخلاف يتزامن مع زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن للمنطقة لمناقشة المسار المستقبلي للحرب. وأوضح المحلل الفرنسي أنه “على الرغم من أن توقيت هذه الصراعات قد لا يكون مثاليا بالنسبة للداخل الإسرائيلي، فمن الأهمية بمكان أن يشعر الجيش بالدعم الكامل خلال هذا الصراع الشاق”. انقسام غير مسبوق من جهته، اعتبر الأكاديمي والمحلل المتخصص في الشؤون الإسرائيلية أحمد فؤاد أنور، في تصريحات لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن الانقسام بين مكونات المجتمع الإسرائيلي وداخل حكومة الحرب بلغ حدًا غير مسبوقًا في تاريخ إسرائيل، فلم يعد يقتصر على اليسار واليمين، بل أيضا بين اليمين الإسرائيلي ذاته، كما امتد ليتمثل الانشقاق بين العسكريين والسياسيين داخل الحكومة، إذ حيث يرى العسكريين أن السياسيين يقودون حملة من شأنها تعطيل وتشويه الجيش الإسرائيلي بعد أن أشعلوا النار في الضفة الغربية بتصرفاتهم واستفزازاتهم للفلسطينيين. وقال أنور إن “أخطر ما في هذا الانقسام، أن التسريبات تخرج باستمرار من جلسات الحكومة، إذ يسعى كل طرف أن يوضع وجهة نظره، ويثبت انتصاره على الطرف الآخر، في الوقت الذي يهرب الجميع يهرب من المسؤولية في الفشل يوم 7 أكتوبر، سواء تنصل نتنياهو من مسؤوليته، أو محاولة الجيش إنكار عدم التوصل لأهدافه التمثلة في القضاء على حماس أو عودة الرهائن”. وشدد على أن هذا الانقسام سيكون له تبعات خطيرة في الفترة المقبلة، في رفض كل طرف “على المستوى السياسي والعسكري” تحمل مسؤوليته الراهنة عما جرى، فالبعض يعتبر أنه كان هناك تحذيرا بخصوص هجوم حماس ولكن المستوى السياسي لم يكترث له، في المقابل يقول المستوى السياسي إن الجيش لم يكن جاهزًا للتصدي للهجوم تحقيق مطلوب بدوره، يرى الباحث الأميركي المتخصص في شؤون الأمن القومي، سكوت مورغان، في تصريحه لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن هجوم حماس يحتاج بالفعل إلى تحقيق معمق لمعرفة أسباب وأوجه القصور التي أوت إليه، بيد أنه يُنظر لهذا التحقيق على أن سيؤثر على السياسة الإسرائيلية. وقال مورغان إن “هذا هو الوقت المناسب للتحقيق خاصة وأن المحكمة العليا الإسرائيلية قد ألغت مشروع قانون الإصلاح القضائي، حيث كان ذلك أحد النقاط الرئيسية التي سمحت بانتخاب رئيس الوزراء نتنياهو في المقام الأول، هذا يظهر أن نتنياهو في وضع ضعيف الآن، ومن الضروري معالجة هذه المسألة لكي تستمر هذه الوزارة في الحكم”. وبشأن انتقاد الوزراء اليمينيين للتحقيق، أشار الباحث الأميركي أن اليمين المتطرف يتذكر “موفاز” كواحد من الفعالين الرئيسيين في الانسحاب من غزة عام 2005، لذلك من وجهة نظرهم أنه أحد الأشخاص المسؤولين في النهاية عن الهجمات المروعة