الصبيحي: التقاعد المبكر يستنزف الضمان ويقرب نقطة التعادل إلى 2030
حذّر خبير التأمينات الاجتماعية المحامي موسى الصبيحي من استمرار التوسع في التقاعد المبكر، مؤكداً أنه بات الخطر الأكبر على الاستدامة المالية للمؤسسة العامة للضمان الاجتماعي، بعدما تحوّل من استثناء إلى قاعدة عامة، على خلاف فلسفة أنظمة التقاعد والتأمينات الاجتماعية.
وأوضح الصبيحي خلال تصريحات صحفية أن الدراسة الاكتوارية الأخيرة أشارت إلى بلوغ نقطة التعادل عام 2030، مبيناً أنه لو بقي التقاعد المبكر ضمن حدوده الدنيا لما وصلت المؤسسة إلى هذه النقطة بهذه السرعة. ولفت إلى أن فاتورة الرواتب التقاعدية الشهرية بلغت نحو 73 مليون دينار في الشهر الماضي، يشكّل التقاعد المبكر منها قرابة 10.5 ملايين دينار، أي ما يقارب 61% من فاتورة التقاعد العامة.
وبيّن أن الضمان الاجتماعي يشمل تسعة أنواع من رواتب التقاعد والاعتلال، تشمل الشيخوخة (الاعتيادي والوجوبي)، والمبكر (ومن الخطر)، والعجز الطبيعي الجزئي والكلي، والعجز الناشئ عن إصابات العمل، إضافة إلى الوفاة الطبيعية والناشئة عن إصابات العمل. إلا أن نوعاً واحداً فقط—وهو التقاعد المبكر—يمثل اليوم نحو 64% من المتقاعدين الفعّالين، وما يقارب 54% من إجمالي المتقاعدين تراكمياً منذ بدء تطبيق قانون الضمان عام 1980، وهو رقم وصفه بـ«الانقلاب على القاعدة العامة».
واستثنى الصبيحي حالات العجز الطبيعي والوفاة وإصابات العمل، مؤكداً أنها ضمن الحدود الطبيعية والمعقولة ولا تشكّل خطراً على النظام التأميني، مشدداً على أن الإشكالية الجوهرية تكمن في الإحالات القسرية إلى التقاعد المبكر دون رغبة المؤمن عليه.
وأشار إلى أن قرارات حكومية منذ حزيران 2020 أدت إلى إحالة آلاف موظفي القطاع العام إلى التقاعد المبكر قسرياً، خصوصاً من أكملوا 30 سنة خدمة وما دون ذلك، ما ألحق ضرراً مزدوجاً بالموظف وبالمركز المالي للضمان. وطالب بتعديل المادة (100) من نظام إدارة الموارد البشرية في القطاع العام لسنة 2024 (وقبلها نظام الخدمة المدنية)، والتي تُنهي خدمة الموظف إذا استكمل شروط التقاعد المبكر دون طلبه.
ورحّب الصبيحي بتوجّه الحكومة الحالية لمراجعة هذه السياسة وترشيد الإحالات القسرية، معتبراً أن العدول عنها—و إن جاء متأخراً—يسهم في تخفيف حدة الأزمة. وأكد ضرورة التعامل مع الإصلاحات كـحزمة متكاملة تشمل تعديل السياسات المؤذية للمركز المالي، بالتوازي مع مراجعة قانون الضمان.
ودعا إلى مراجعة سياسات الشمول بالضمان ومواجهة التهرب، وإعادة النظر في بعض التأمينات المتعلقة بالعمالة غير الأردنية، والأجور الخاضعة للاقتطاع، بما يعزز الحماية والعدالة الاجتماعية. وشدد على أن هذه المراجعات يجب أن تستند إلى حوارات وطنية شفافة مع مختلف الأطراف والخبراء للوصول إلى توافقات قابلة للتطبيق.
وكشف أن العدد التراكمي لمتقاعدي الضمان تجاوز 389 ألف متقاعد، متفوقاً على أعداد وفاتورة التقاعد المدني والعسكري، ما يجعل استدامة الضمان قضية وطنية ملحّة. وطالب بإبعاد نقطة التعادل إلى ما لا يقل عن 10 سنوات بدلاً من 5، بما يعزز الاستقرار المالي ويمكّن المؤسسة من تطوير برامج الحماية الاجتماعية بكفاءة أعلى.
وختم الصبيحي بالتأكيد أن الإصلاح ممكن وغير مستحيل، لكنه يتطلب حِصافة وسرعة في اتخاذ القرار، والبدء الفوري بتنفيذ الإصلاحات خلال الأشهر المقبلة، بما يخدم مصلحة الأردنيين والدولة على حد سواء.