برعاية حكومية: لَمّة قروش على حساب الصحة العامة
الدكتور نضال المجالي
ليس غريبا أن تُتخذ قرارات اقتصادية باسم "تنشيط السوق”، لكن الغرابة الحقيقية أن يأتي ذلك على حساب صحة الناس، وبمباركة من الجهات التي يُفترض أنها الحارس الأول للصحة العامة. قرار تخفيض الضريبة على السجائر الإلكترونية وتوابعها التسخينية يبدو، للوهلة الأولى، خطوة مالية ذكية، لكنه في جوهره لَمّة قروش سريعة، تُحصَّل من جيوب المواطنين مقابل فاتورة صحية مؤجلة.
السجائر الإلكترونية لم تعد "بديلا آمنا” كما حاول البعض تسويقها في سنوات سابقة. النقاش العلمي حول مخاطرها ما زال قائما، والتحذيرات تتزايد، خاصة على فئة الشباب، الذين اصبحوا يبيعوا في المدارس "خمس شفطات” بخمسة قروش، ومع ذلك، يأتي القرار ليجعلها أرخص وأكثر انتشارا، وكأن الرسالة غير المعلنة: الاستهلاك أولا، ثم نرى لاحقا ما يحدث للرئتين.
الأكثر سخرية في القرار أنه قد يكون وزير الصحة ضمن الموقّعين على قرار مجلس الوزراء؟ هنا، لا نتحدث عن اختلاف وجهات نظر، بل عن مسح كامل لكل الجولات والتصريحات الرنانة التي شاهدناها منذ توليه المنصب. أين ذهبت الوعود بحماية الصحة العامة؟ أين اختفت لغة التحذير والوقاية؟ يبدو أنها ذابت سريعا أمام جدول إيرادات مُغري.
المفارقة أن الدولة تنفق الملايين على العلاج وحملات توعية، وملصقات تحذيرية، وخطابات رسمية عن نمط الحياة الصحي، ثم تعود بقرار واحد لتقويض كل ذلك. كأننا نطفئ حريقا بيد، ونصبّ عليه الكاز باليد الأخرى. المنطق يقول إن الضرائب تُستخدم لتقليل الاستهلاك الضار، لا لتشجيعه، لكن المنطق في هذه الحالة أخذ إجازة مفتوحة.
في النهاية، قد تُحصَّل بعض القروش اليوم، لكن الثمن الحقيقي سيدفعه المجتمع غدا: ضغط على النظام الصحي، وأمراض يمكن تفاديها، وثقة عامة تتآكل. أما السخرية الأكبر، فهي أن يُقدَّم كل هذا تحت لافتة "المصلحة العامة”، بينما الحقيقة أنها لَمّة قروش… لا أكثر