فواتير تتضخم… جيبة المواطن آخر خط دفاع في وجه الغلاء
عدنان نصّار
في بلدٍ باتت فيه الأعباء تُقاس بالشهر لا بالسنة، يقف المواطن الأردني أمام موجة جديدة من ارتفاعات الأسعار، تتقدّمها اليوم تعرفة الكهرباء والماء التي تحوّلت من خدمة أساسية إلى عبء ثقيل يلاحق العائلات دون أن يحمل معها تحسّنًا محسوسًا في مستوى الخدمة.
وبين أرقام تتصاعد ودخل ثابت لا يبرح مكانه، أصبحت جيبة المواطن آخر خط دفاع في معركة اقتصادية غير متكافئة.
-ارتفاع التعرفة… هل يبرره الواقع؟
الزيادة الأخيرة في تعرفة الكهرباء والماء جاءت، بنظر كثيرين، غير مبررة؛ فهي لا ترتبط بتحسينات ملموسة في البنية التحتية، ولا تعكس تطويرًا نوعيًا في مستوى الخدمة. وعلى الرغم من الخطاب الرسمي الذي يتحدث عن "تصحيح كلف” و"تنظيم دعم”، إلا أن المواطن يرى في الفاتورة نتيجة مباشرة لتغليب الاعتبارات المالية على الحاجات الأساسية للناس.
فالأسرة الأردنية باتت تحسب استهلاكها بالكيلوواط واللتر، لا من باب الترشيد الواعي، بل من باب النجاة. وهذا وحده دليل على اختلال المعادلة بين القدرة الشرائية ومتطلبات الحياة.
-خدمات تُدار بمنطق الربحية فقط.!
أخطر ما يراه المواطن اليوم هو أن هذه القطاعات لم تعد تُدار بمنطق الخدمة العامة، بل بمنطق الربحية الخالصة.
فعندما تتجاوز نسب الربح حجم الخدمة المقدّمة، ويتحول ملف الكهرباء والماء إلى مشروع تحصيل مالي أكثر منه خدمة ضرورية، يصبح السؤال مشروعًا:
هل ما زالت هذه القطاعات تؤدي دورها الاجتماعي… أم أصبحت مؤسسات تجارية بحتة؟
الكهرباء ليست رفاهية.
والماء ليس منتجًا اختياريًا.
هما أساس الحياة اليومية، وتحويلهما إلى بند تجاري يفصل بين حاجات الناس وقرارات الإدارة، ويُعمّق فجوة الثقة.
الخدمة لا ترتقي إلى مستوى الفاتورة
رغم ارتفاع الفواتير، لا يلحظ المواطن تحسّنًا يتناسب مع حجم التحصيل.
كهرباء ترتفع تعرفة تشغيلها دون تحسّن كافٍ في الاستقرار أو الدعم.
مياه تصل متقطعة في بعض المناطق بينما يتزايد العبء المالي شهريًا.
إنها دائرة مغلقة: خدمة لا تتحسن، وفاتورة ترتفع، ومواطن يتحمّل الفارق وحده.
-أثر مباشر على حياة الناس
تغيّرت حتى العادات اليومية للأسر:
تقليل استخدام الكهرباء لأدنى مستويات ممكنة
الاعتماد على المولدات أو السخانات أقل
إعادة التفكير في كل تفصيل منزلي يستهلك كهرباء أو ماء
وهو تغيّر لا يمكن اعتباره "رشيدًا” بقدر ما هو انعكاس لضغط معيشي يترك أثرًا نفسيًا واقتصاديًا حادًا على شرائح واسعة.
أولوية الناس قبل الحسابات
ليس المطلوب إلغاء التعرفة ولا تعطيل موارد المؤسسات، بل إيجاد توازن عادل بين الإيراد والخدمة.
توازن يحمي الفئات المتوسطة والضعيفة، ويعطي للخدمات العامة بعدها الإنساني قبل المالي، ويعيد الاعتبار لفكرة أن المواطن شريك… لا مصدر جباية.
فواتير الكهرباء والماء اليوم ليست مجرد أرقام؛ إنها رسالة واضحة بأن معركة المعيشة باتت أصعب، وأن المواطن يقف وحده في مواجهة موجات الغلاء.
وحين تُدار الخدمات الأساسية بمنطق الربحية فقط، يصبح السؤال الأكبر:
من يحمي حق الناس في العيش الكريم؟
جيبة المواطن لم تعد تتحمّل المزيد…
آن الأوان لسياسات تضع الإنسان أولا قبل الإيراد..وقبل التخطيط لأي سياسة جباية..!!