برنامج ليلة سمر يحمل عبر اثيره خفقات دافئة تعيد ترتيب الليل في شعور يستقر في القلب




ما إن تدقّ عقاربُ السّاعة عند الثّامنة مساءً، حتى يتسلّل ذاكَ الصّوتُ عبر الأثير، صوتٌ يحمل بين أوتاره خفَقات دافئة تُعيد ترتيب هدوءِ الليل، وتمنحه شكلًا مختلفًا ولغةً أخرى: لغة لحكاية تُروى، وأغنية تولد، وشعور يتّكئ على الكلمات قبل أن يستقرَّ في القلب.


على موجات إذاعة الجامعة الأردنيّة ( FM 94.9) يتشكّل كلُّ مساء عالم صغير له إيقاع خاصّ، اسمه "ليلة سمر" حيث يحلو السّهر، برنامج لا يكتفي بكونه سهرةً إذاعيّة، بل يتحوّلُ إلى طقس وجدانيّ تتجاور فيه الحكايةُ مع اللّحن، وتلتقي فيه أرواح المستمعين عند نقطة ضوء واحدة مهما اتّسعت المسافات أو بعدت.

منذ انطلاقة الدّورة البرامجيّة لإذاعة الجامعة الأردنيّة، يطلّ برنامجُ "ليلة سمر" الذي تتولّى الإعلاميّة سمر غرايبة تقديمه، بوصفه واحدًا من أكثر البرامج الإذاعيّة الجديدة حضورًا وتأثيرًا في وجدان المُستمعين، يأخذهم  في رحلة سمعيّة عبر الأثير إلى فضاءات فريدة، تمزجُ بين الموسيقى والكلمة الرّقيقة، وتستحضر عزفَ العود وبوحَ الذّكريات.

وينفرد برنامجُ "ليلة سمر" بهُويّة خاصّة، تُذاع بمنتهى الشّاعريّة، وفق توليفة متناغمة تُزاوج بين الحديث الارتجاليّ، والتّقديم الاحترافيّ بحسّ إنساني، فهو لا يقوم على الحوار وحدَه، ولا على فقرات فنيّة ولا استضافات شخصيّات مجتمعيّة، بل يقدّم حالةً متكاملةً ومزاجًا إذاعيًّا قلَّ أن يتكرّر، يعيش من خلاله المستمعون سهرةً فيها شُجون تُلامس تأثير النّغم، وعزف يتّكىء على الوتر، وأبيات شِعر تُنظم في الحال، وما بين هذا وذاك، يتسلّل في الأثناء حديثٌ يُفضي إلى نقاش في كثير من القضايا الوطنيّة والاجتماعيّة والفنيّة، ليغدو في محصّلته سميرَ ليل خفيف الظّلّ، يفتح نافذةً للطّرب وللحكايات وللأغاني، ويمنح مستمعيه دفئًا يرافقهم حتى في أكثر ليالي الشّتاء برودةً.

لقد استطاع برنامج " ليلة سمر" أن يصنعَ لنفسه زمنًا خاصًّا به، زمنًا لا يشبه سواه، وأن يحجز مساحة إذاعيّة تتجاوز حدودَ البثّ، ويتّخذ من اسمه عنوانًا لروحه، بعد أن أثبت القائمون على إعداده وتقديمه نجاحَهم في جذب الجمهور، حيث يلتقي البرنامجُ وإياهم على قهوة المساء، مانحًا إياهم مساحة واسعة من العروض الموسيقيّة يُعيد بعض منها إحياءَ تراث المكان والذّاكرة، ناهيك عمّا يرويه البرنامجُ في فقراته من قصص خلف الأغاني، وتجارب شخصيّة للضّيوف، ولقطات من طفولتهم وبداياتهم، ما يضفي على السّهرة طابعًا إنسانيًّا يلامس كلَّ مُستمع، هو عندهم كما "المقهى الشّرقيّ"؛ يرتادونه كلَّ مساء ليطّلعوا على ما جرى وكان، ويستمعوا إلى ما قالته الموسيقى وما لم تقلْه بَعد.

مع مرور الوقت، كبُر البرنامج سريعًا بمحبّة المستمعين، وما عاد يكتفي بما يقدّمه من نمط إعلاميّ اعتاد النّاسُ عليه من داخل جدران الإستوديو، فطاقم البرنامج موقن أنّ جمهوره هم جزءٌ من روحه، يعيش معهم أينما حلّوا وارتحلوا، ما جعله يعقد العزم على مفاجأتهم، وأن يخرج لهم في بثّ حلقات خارجيّة بدأت أوّلُها في المسطّح الأخضر، وسط حضور يليق بحكاية تبدأ بالموسيقى ولا تنتهي بالوجدان.

في تلك الليلة، جاء البرنامجُ على هيئة جلسة تراثيّة افترشت العشبَ الأخضر، ومن حولها التفّ الطلبةُ والزّوار، والإعلاميّة الغرايبة كانت تقود السّهرة بصوتها الهادئ، انعكس على أداء الضّيوف وتفاعل الجمهور، إلى جانب سلسلة الفقرات التي تخلّلت السّهرة من عزف وغناء ورقص شعبيّ ودبكات وطنيّة، ما أضفى تجربة سماعيّة وبصريّة مميّزة.

لم يتوقّف الأمرُ عند هذا الحدّ، بل خرج البرنامج في بثّ خارجيّ جديد حمل معه كثير من المفاجآت غير المتوقّعة، مستكملًا رحلته التي بدأها بين جماليات المكان وروح الجماهير، هذه المرة، حطّ البرنامجُ رحالَه في مهرجان الزّيتون الذي أقيم أواخر الشّهر المنصرم في مكّة مول في العاصمة عمّان، حيث رائحة التّراث الذي لا يبهت، وخيرات من الطّبيعة يمازجها ضجيجُ حياة لا يهدأ، ليتألّق بثُّ الحلقة من جديد وكأنًه احتفاءٌ بالأرض وبأبنائها من المزارعين والبائعين من جهة، وبقرب الناس وبمحبّتهم وبالسّمر الذي لا ينتهي من جهة أخرى.

رحلة البرنامج لا تزال مستمرّة، وها هو "ليلة سمر" يواصل تنقّله بين الأمكنة، ليبهر جمهوره، ملتقطًا لحظاتهم، ومسجّلًا ضحكاتهم بعدسات كاميراته وميكروفوناته، ومثبتًا في كلّ مرة أن عنصر المفاجأة والتّجديد جزءٌ أصيل من روحه، وتكنيك لا غنى عن احترافية عمله.

لقد أخذ البرنامج طابعًا استثنائيًّا هذه المرة، بعد أن خرج في بثّ إذاعيّ سمعيّ وبصريّ إلى فضاء مفتوح، وتحديدًا، من قلب أجواء البحر الأحمر في مدينة العقبة، ووسط حلكة أمواجه، حيث امتزجت نسَمات البحر بإيقاع السّهرة، وعزف الحوار الخفيف على أوتار اللحظات الفنيّة والترفيهيّة، لتشكّل الطبيعة بذلك مشهدًا بصريًّا نابضًا بالحياة، وعلينا ألّا ننسى المفاجآت والجوائز القيّمة التي باتت سمةً في فقرات البرنامج، وسط أجواء عفْويّة مليئة بالتّفاعل والحيويّة، جعلت من الجمهور شريكًا في التّجرِبة، لا مُتلقّيًا لها.

وقطع برنامج "ليلة سمر" عهدًا على نفسه في أن يبقى عند حسن ظنّ مستمعيه، واعدًا إياهم بمزيد من هذه التنقّلات والمفاجآت، حرصًا منه على صناعة تجارِب هي أقرب إلى الجمهور، في رحلة إعلاميّة لا تعرف الثّبات ولا التّقليد، رهانهم دائمًا التّجديد وإحداث الدّهشة، ذلك ما أدلى به مديرُ وحدة الإعلام والعلاقات العامّة والإذاعة في الجامعة الأردنيّة الدكتور راكان أبو عرابي، وقال: "إنّنا في برنامج" ليلة سمر" لا نسعى إلى تقديم الموسيقى والحوار المتبادل فقط، بل نسعى  إلى صنع مساحة راقية للدفء الإنسانيّ، ونمنحُ مستمعيه مكانًا يتنفّس فيه جمالُ الفن بعيدًا عن ضجيج يوم حافل، وأن نكون قريبين منهم بكلّ عفويّة دون أيّ حواجز أو أنماط بروتوكوليّة".

وأضاف: "نحن من خلال البرنامج، لا ننتظر أن نستقطب الجمهور، بل نحن من نذهب إليهم مدفوعين بمحبّتهم، ورغبة منا في أن تكون إذاعة الجامعة الأردنيّة أقرب إليهم في حياتهم لا عبر الموجات الصوتيّة".

بقي أن نعرفَ رأيَ الشّارع الجامعيّ والأردنيّ وما تشكّل لديهم من انطباعات حول برنامج "ليلة سمر" الذي اضحى يحظى بقاعدة واسعة من المستمعين، وباتوا ينتظرون موعدَ بثّه، ليغدو واحدًا من الطّقوس اليوميّة التي يصعبُ التّخلي عنها، وقد عبّر أحدُ المستمعين الذي يعمل في قطاع النّقل، عن إعجابه بمستوى الطّرح الإعلاميّ الذي يقدّمه البرنامج، والتّوليفة المتناغمة التي تتسرّب إلى مسامعه من عزف وغناء وطرب وبوح حديث، تنال إعجاب شرائح مختلفة في المجتمع الأردنيّ.

وقال: "بتُّ أنتظر موعدَ بثّ الحلقة يوميًّا، فيها أجد خلوتي مع نفسي، وأرتّب فيها أوراقي، وأعيد بها حسابات يومي الحافل، وأقضي خلالها ما تبقّى من عمل بمتعة وراحة"، أمّا المُستمعة سناء غزوان وهي طالبة في كلية الآداب في الجامعة، فقالت إنّها لم تعتد أن تستمعَ لبرامج إذاعة الجامعة، إلا أنّ "ليلة سمر" جاء مختلفًا بعد أن غيّر لها فكرتها وقلب موازين روتينها اليوميّ، لافتةً إلى أنّ البرنامج يجعلها تشعر بأنها تقضي سهرة ممتعة وحقيقيّة مع أفراد عائلتها وأصدقائها، وإن لم يكونوا معها.

في حين ترى المستمعة التي تعمل ضمن كوادر الجامعة الأردنيّة الإداريّة، أنّ برنامج "ليلة سمر" يقدّم قيمةً جمالية تجمع بين الفنّ والثّقافة معًا، كما ويحرص في محتواه الإعلاميّ على أن يحافظ على الأصالة وعادات وموروث المجتمع الأردنيّ، بحيث يتلقّى المستمع الغناء والموسيقى والحديث بطريقة أقرب إلى القلب أكثر منها إلى مسامع الأذن.

وأخيرًا، رغم تنقّله بخفّة بين الأمكنة، وحرصه على تقديم مشهد مختلف وتجربة سمعيّة لا تشبه ما قبلها في كلّ حلقة، لكن تبقى هُوية برنامج "ليلة سمر" ثابتة، في طرح عفويّ لمحتوى صادق نابع من القلب وقريب من الرّوح