المرأة والتطرف الرقمي

كتب - رلى السماعين 

 في عصرٍ تصنعه المعلومات المضللة وغرف الصدى الرقمية، أصبح من الضروري إعادة النظر في الصورة التقليدية لدور المرأة في الإرهاب.

لسنواتٍ طويلة، قُدِّمت المرأة في السرديات الدارجة على أنها ضحية للعنف والتطرف، لا فاعلة فيه. إلا أن الأدلة المتزايدة من مناطق النزاع، ومن ملفات المحاكم، ومن تقارير مكافحة الإرهاب، تكشف واقعًا أكثر تعقيدًا يفرض دراسة معمقة للواقع الاجتماعي تتجاوز النظرة السطحية لدور المرأة.

تكشف التقارير بأن المرأة ليست هامشًا في التنظيمات المتطرفة؛ بل جزء من بنيتها وفاعلة فيها بطرقٍ تفوق كل التوقعات. فوفقًا لورقة بحثية صادرة عن مجلس العلاقات الخارجية (CFR)، مثّلت النساء 26% من الاعتقالات المتصلة بالإرهاب في أوروبا عام 2016، في ارتفاع ملحوظ عن السنوات السابقة. وتُظهر البيانات نفسها أن النساء شاركن مباشرة في العنف، إذ تشكّل الهجمات الانتحارية المنفذة من نساء نحو 11 % من إجمالي هذا النوع من العمليات في أحد أهم قواعد البيانات الدولية. هذه ليست وقائع استثنائية، بل دلائل على تحوّل واضح في الظاهرة.

وأما فهم دوافع انخراط النساء في هذه الجماعات فهو أمر ضروري. فالدوافع تتراوح بين القناعة الأيديولوجية بالرواية المتطرفة، والعلاقات الاجتماعية والأسرية الضعيفة أو تلك التي تشجع الانخراط في أبواب التجنيد، والبحث عن الذات والتمكين في بيئات تشعر فيها بعض النساء بالإقصاء أو التهميش. التنظيمات المتطرفة أدركت ذلك مبكراً، فصنعت رسائل تتعمد مخاطبة النساء بوصفهن «حارسات» المجتمع الجديد أو «أمهات الجيل القادم» أو حتى مقاتلات يساهمن في بناء «العالم البديل».

وتنعكس هذه الدوافع في أدوار متعددة داخل التنظيمات. فالنساء يقمن بالتجنيد، والدعاية، وجمع الأموال، وتأمين المأوى، وتسهيل الاتصالات، وإدارة الهياكل الداخلية التي تسمح للجماعات بالاستمرار. وأما في العالم الرقمي، فتزداد حضورهن أهمية، فقد كشف تحليل لغوي لخطاب احدى الجماعات المتطرفة الإلكتروني عن رسائل عاطفية موجّهة خصيصًا للنساء، تستغل حاجتهن للانتماء والاعتراف.

في موازاة ذلك، تضاعف منصات التضليل والتشويش والتشتيت الرقمي خطورة الظاهرة. فالتنظيمات المتطرفة تُتقن صناعة الرواية البصرية، وتقدّم عبرها وعودًا زائفة بالتمكين أو المكانة أو الهوية. في المقابل، تشعر النساء بتهديد أكبر في الفضاء الرقمي؛ إذ تشير دراسة بريطانية حديثة إلى أن 24% فقط من النساء يشعرن بالراحة عند التعبير عن آرائهن السياسية عبر الإنترنت، مقابل قرابة 40% من الرجال. هذا «الصمت الرقمي» يفسح المجال أمام الخطاب المتطرف ليحتل مساحات غائبة عن الصوت النسوي المعتدل.

بالرغم من ذلك، لا تزال استراتيجيات مكافحة الإرهاب تعاني في المتابعة والتصدي وأحياناً الضعف في الفهم. إذ غالبًا ما تُعامَل النساء بوصفهن «ضحايا» فقط، لا فاعلات تتطلب حالتهن فهمًا أعمق. هذه النظرة غير الحساسة للنوع الاجتماعي تخلق ثغرات خطيرة: فهي تقلل من تقدير قدرة النساء على التأثير أو التجنيد، وتفشل في فهم مسارات تطرفهن، كما تعيق إدماجهن في برامج الوقاية. وعلى الرغم من أهمية قرار مجلس الأمن 1325 بشأن المرأة والسلام والأمن، فإن تطبيقه ما يزال متواضعاً. على صناع السياسات جمع بيانات تفصيلية ودقيقة حول مشاركة النساء في التطرف، فالدراسات الحالية مجزأة ومحدودة. كما ينبغي تطوير برامج مقاومة التضليل الرقمي ، والارتقاء بالوعي الإعلامي لدى النساء بما يساعدهن على كشف الروايات المتطرفة. وتتطلب الوقاية أيضًا معالجة الأسباب الاجتماعية والنفسية لانخراط النساء، من خلال مبادرات تستهدف العزلة، والصدمات، والمناخات المحبطة. والأهم، يجب إشراك النساء كشريكات حقيقيات في جهود مكافحة التطرف، لا مجرد مستفيدات من الحماية.

المرأة ليست هامشًا في قصة التطرف، ولن تكون كذلك في مواجهته. والاعتراف بدورها المتعدد ليس فقط تصحيحًا للسرديات، بل هو خطوة أساسية نحو أمنٍ أكثر شمولًا، ومجتمعاتٍ أكثر قدرة على التصدي للفكر المتطرف و الصمود، وصناعة مستقبل اّمن ومستقر