الأثر السلبي لتعديلات القوانين والتشريعات الضريبية على البيئة الاقتصادية في الأردن


عيسى الحياري – مستشار ومدرب ضريبي

تُشكّل السياسة الضريبية في أي دولة ركيزة أساسية لتحقيق العدالة الاجتماعية ودعم الاستقرار المالي، غير أن التعديلات المتكررة على القوانين والأنظمة والتعليمات الضريبية في الأردن خلال الأعوام الأخيرة تركت أثراً ملحوظاً على بيئة الأعمال وثقة المكلفين ، وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها دائرة ضريبة الدخل والمبيعات في تحديث الإدارة وتحسين التحصيل إلا أن كثافة التغييرات التشريعية وتعدد التفسيرات القانونية أثّرت سلبًا على وضوح المنظومة الضريبية واستقرارها.


 "تعديلات متكررة وتفسيرات متباينة" 
شهد قانون ضريبة الدخل رقم (34) لسنة 2014 وقانون الضريبة العامة على المبيعات رقم (6) لسنة 1994 تعديلات متعاقبة خلال فترات قصيرة، ترافق معها صدور أنظمة وتعليمات تنفيذية متعددة. ورغم أن الهدف المعلن من هذه التعديلات كان مواكبة التطورات الاقتصادية وضمان العدالة الضريبية، إلا أن كثرتها وتفاوت تطبيقها في الميدان أوجدت بيئة من عدم اليقين الضريبي لدى المكلفين، وأثّرت في قدرة القطاع الخاص على التخطيط المالي طويل المدى.

"ارتفاع التحصيلات لا يعني تحسن الأداء الاقتصادي" 
 أظهرت البيانات الرسميه النمو المتواصلا في اجمالي تحصيلات ضريبتيه الدخل والمبيعات خلال السنوات الخمس الاخيره بصوره مغايره لنسبه النمو في الناتج المحلي والتي ينبغي ان تتناسب طرديا مع الناتج المحلي لا بل والتي ينبغي ان تتناسب طرديا معه .
ورغم أن هذا الارتفاع يمثل جهدًا مؤسسيًا في التحصيل، إلا أنه لا يعكس بالضرورة تحسنًا في مكافحة التهرب أو تعافي القطاعات الإنتاجية ،ففي ظل التباطؤ الاقتصادي وتراجع النشاط التجاري، يُحتمل أن يكون جزء من هذا النمو نتيجة التزام المكلفين بالقرارات التقديرية والإجراءات الإلزامية أكثر مما هو ناتج عن توسع حقيقي في القاعدة الضريبية أو نمو اقتصادي فعلي.

 "الرؤية الملكية كأساس للإصلاح"
أكدت الأوراق النقاشية الملكية خاصة من الثالثة إلى السادسة على مبادئ العدالة والمساءلة والمشاركة في صنع القرار، داعية إلى إدارة عامة شفافة تقوم على الشراكة مع المواطن والقطاع الخاص، وتبرز هذه الأوراق أهمية سيادة القانون واستقرار التشريعات ووضوح الإجراءات كمدخل لتعزيز الثقة المتبادلة بين الدولة والمكلف.
 ومن هذا المنطلق، فإن أي إصلاح ضريبي حقيقي يجب أن يتسق مع تلك الرؤية، بحيث تكون العدالة والوضوح والشفافية هي الأسس التي تُبنى عليها السياسة الضريبية.

"الأثر الاقتصادي للتعديلات المتكررة"
إن تعدد التعديلات والأنظمة والتعليمات الضريبية يؤدي إلى:
إرباك المستثمرين وصعوبة تقدير الكلف الضريبية المستقبلية.
تراجع الالتزام الطوعي بسبب غموض النصوص واختلاف تفسيرها.
إبطاء النشاط الاقتصادي نتيجة ارتفاع درجة المخاطرة الضريبية.
زيادة حجم الاقتصاد غير الرسمي مع سعي بعض المنشآت لتجنب التعقيدات.
ومن هنا تظهر الحاجة إلى انتقال المنظومة الضريبية من منهج الاستجابة المتكررة بالتعديل، إلى منهج الاستقرار التشريعي القائم على التقييم والتحليل قبل التغيير.

"خطة استراتيجية لتحسين الأداء الضريبي"
لتحقيق التوازن بين العدالة والإيرادات والاستقرار، يُقترح تبني خطة استراتيجية متكاملة تقوم على المحاور التالية:
1-الاستقرار التشريعي: وضع جدول زمني لمراجعة القوانين كل خمس سنوات على الأقل، مع وقف التعديلات المتكررة غير الضرورية، وتبني مبدأ الأثر التشريعي قبل الإقرار.
2-الوضوح والإرشاد: إصدار أدلة تفسيرية رسمية موحدة بالتعاون مع الخبراء والقطاع الخاص، لتوحيد الاجتهادات وضمان المساواة في التطبيق.
3-التحول إلى الإدارة الضريبية الذكية: توسيع استخدام التحليل الرقمي والذكاء الاصطناعي في التدقيق بما يقلل التقدير البشري ويعزز العدالة الإجرائية.
4-تعزيز الشراكة والتثقيف: إشراك ممثلي القطاعات الاقتصادية والمستشارين الضريبيين في صياغة التعليمات والسياسات، وزيادة برامج التوعية الضريبية للمكلفين.
5-قياس الأداء بناءً على الالتزام الطوعي لا التحصيل: اعتبار معدل الالتزام الطوعي وجودة الخدمة الضريبية مؤشرين رئيسيين لتقييم الأداء، لا فقط حجم الإيرادات.


و في الختام أؤكد بأن التعديلات المتكررة على القوانين والأنظمة الضريبية رغم نواياها الإصلاحية أضعفت الاستقرار التشريعي وأثّرت على الثقة بالمنظومة الاقتصادية، ولذلك فإن الإصلاح الضريبي المستدام يتطلب رؤية استراتيجية متوازنة تجمع بين العدالة في النص والاستقرار في التطبيق والشراكة في صنع القرار، بما يحقق العدالة الاجتماعية ويعزز بيئة الأعمال وينسجم مع الرؤية الملكية لبناء دولة القانون والمؤسسات.