ترمب وبناء قاعة رقص في البيت الأبيض..رقص على جراح العالم

عدنان نصار

منذ عودته إلى البيت الأبيض، لا يتوقف الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن إرباك المشهد السياسي والإعلامي الأميركي، بخطوات وتصريحات تثير الجدل أكثر مما تثير الإعجاب. أحدث هذه الخطوات تمثلت في تصريحاته التي تفيد بنيته إنشاء قاعة فخمة للرقص داخل البيت الأبيض، في مشروع جديد يضيف إلى سلسلة تحركاته التي تجمع بين البذخ الرمزي والرغبة في ترك بصمته الخاصة على رموز الدولة الأميركية.

فترمب، الذي بنى مجده المالي والإعلامي على فكرة "الاستعراض الدائم”، يبدو مصممًا على نقل هذا النمط إلى مؤسسة الحكم ذاتها ، وهو، كما يرى مراقبون، يسعى إلى إعادة تشكيل صورة البيت الأبيض، ليس كمقر سياسي جامد، بل كرمز شخصي يعكس ذائقته ومفهومه الخاص لـ "العظمة الأميركية”. غير أن الفكرة في جوهرها تثير تساؤلات عميقة حول أولويات الرئيس وإدراكه لطبيعة المنصب الذي يشغله.

منتقدو ترمب، من داخل المؤسسة السياسية والإعلامية، يرون في المشروع مثالًا صارخًا على النزعة "الترامبية” التي تخلط بين إدارة الدولة وإدارة الأعمال، وبين السياسة والعرض المسرحي. فبينما تواجه الولايات المتحدة تحديات اقتصادية واجتماعية حقيقية، يأتي الحديث عن "قاعة رقص” كمؤشر على انفصال الرئيس عن واقع مواطنيه، وحرصه على ترسيخ صورته كرجل الأضواء لا كرجل الدولة.

 

في المقابل، يحاول أنصاره الدفاع عن الفكرة باعتبارها تجديدًا رمزيًا "يبعث الحياة في البيت الأبيض”، ووسيلة لإعادة المكان إلى دوره الثقافي والاجتماعي القديم، حيث كانت تُقام فيه الحفلات والمناسبات الرسمية الكبرى. لكن حتى هذا التبرير لا يخفي حقيقة أن المشروع، في حال تنفيذه، سيضيف طبقة جديدة من الجدل إلى سجلٍّ طويل من القرارات التي تعكس نزعة التفرّد الشخصي لدى الرئيس الأميركي الحالي.

 

تاريخ البيت الأبيض حافل بتعديلات أجراها رؤساء سابقون، غير أن ما يميز ترمب هو طابعه الاستعراضي الواضح، وسعيه المستمر لتحويل كل تفصيل إلى جزء من علامته الخاصة. وربما لا تكمن خطورة مشروع "قاعة الرقص” في حجمه أو كلفته، بل في رمزيته السياسية: إذ يعكس رغبة الرئيس في إعادة تشكيل الرموز الوطنية وفق ذائقته الخاصة، وكأن الدولة بأكملها امتداد لصورته الشخصية.

 

في المحصلة، سواء بُنيت القاعة أم بقيت فكرة في أروقة الإعلام، فإنها تكشف مجددًا عن ملامح المرحلة "الترامبية”: مزيج من الشعبوية، والرمزية الاستعراضية، والتحدي الدائم للمألوف ، والرقص على جراح العالم، حتى لو كان ذلك في قلب البيت الأبيض نفسه.