كتب ـ عدنان نصار
يبدو أن معبر رفح، الذي لطالما كان شريان الحياة الوحيد لأهالي غزة، تحول اليوم إلى ورقة ابتزاز جديدة في يد الاحتلال الإسرائيلي، الذي يربط فتحه بإعادة جثامين عدد من الأسرى والجنود الذين سقطوا في الحرب الأخيرة. وفي مشهد يكشف عمق الانحدار الإنساني والسياسي في تعامل الاحتلال مع المأساة الفلسطينية، يجري الحديث عن "صفقة جثامين” في وقت يعيش فيه أكثر من مليوني إنسان على حافة الجوع والدمار والعزلة التامة.
يسعى الإحتلال، كما تشير التصريحات المتكررة لمسؤوليه ، إلى جعل ملف الجثامين مدخلًا لتحقيق مكاسب سياسية وأمنية، وتستخدمه غطاءً لتمديد الحصار وتعطيل إدخال المساعدات، بل وتحميل المقاومة الفلسطينية مسؤولية تدهور الأوضاع الإنسانية في القطاع. وفي المقابل، تؤكد الفصائل الفلسطينية أن الاحتلال هو من يعرقل كل تفاهمات التهدئة وملفات التبادل، وأن الحديث عن "الإنسانية” لا يمكن أن يكون انتقائيًا، حين يُقايض الجسد الفلسطيني بحرية معبر أو بشحنة طحين..في وقت تضع فيه عواصم عالمية وعربية في إذن طين والأخرى عجين.
هذه ليست المرة الأولى التي يوظف فيها الاحتلال ورقة المعابر لأغراض سياسية. فمنذ سنوات، ظل معبر رفح عنوانًا لمعاناة الفلسطينيين، ومسرحًا لتجاذبات إقليمية ودولية تتجاوز أحيانًا حدود الميدان إلى حسابات النفوذ والسيطرة..واليوم، تعود القضية إلى الواجهة لكن بثوب أكثر قسوة وأوسع إنحدارا، إذ يربط الاحتلال مرور الغذاء والدواء بملف "الجنود المفقودين”، في تحدٍ صارخ لكل الأعراف الإنسانية والقانونية.
إن ربط فتح معبر إنساني بإعادة جثامين، يثير تساؤلات عميقة حول طبيعة التفكير الإسرائيلي في هذه المرحلة: هل يسعى فعلاً لاستعادة رفاته أم لخلق ذريعة لتأجيل تنفيذ التفاهمات والضغط على الوسطاء الإقليميين؟ فالمعبر بات ورقة تفاوضية تُستخدم لليّ الأذرع لا لإنقاذ الأرواح.
أمام صلف الإحتلال ووقاحتة يبقى السؤال الأخلاقي والسياسي مطروحًا: بأي حقّ يتحكم الاحتلال بمصير أكثر من مليوني إنسان في غزة، مقابل جثث معدودة يجري البحث عنها؟ وهل يمكن للعالم أن يواصل صمته أمام هذا الابتزاز الإنساني الذي يتستر برداء "الشرعية الأمنية”؟
معبر رفح لم يكن يومًا ملفًا أمنيًا، بل قضية حياة أو موت. وإصرار إسرائيل على جعله ساحة مساومة، يكشف أن ما تبحث عنه ليس جثثًا بل ذرائع جديدة لإدامة الحصار، وتوسيع دائرة العقاب الجماعي ضد الفلسطينيين، في وقت باتت فيه غزة تُختزل إلى معبر مغلق، وجثث تنتظر صفقة، وشعب يقاوم كي يعيش.
كاتب وصحفي أردني