عامان من النار والخذلان: حماس صمدت وإسرائيل تراجعت

كتب ـ عدنان نصار 

بعد مرور عامين على الحرب الإسرائيلية على غزة، يتّضح أنّ الميدان لم يُنصف رواية المنتصر. فالحرب التي أُريد منها إنهاء وجود حركة حماس وإعادة ترميم الردع الإسرائيلي، انتهت إلى واقعٍ مختلف: لا نصر عسكريًّا حاسماً، ولا هزيمة سياسية مكتملة ، فحماس بقيت، بينما إسرائيل تراجعت إلى الداخل، تعيش ارتباكها بين فشل القوة وضغط الرأي العام العالمي.

حين اندلعت الحرب في خريف 2023، كان الخطاب الإسرائيلي مشبعاً بالوعود المطلقة: "تدمير حماس”، "تحرير الأسرى”، و"استعادة الردع”. غير أنّ عامين من القصف والدمار لم تنتج سوى شواهد على مأزقٍ عسكري وسياسي طويل. فكلّ محاولة لاجتثاث الحركة أفضت إلى إعادة تشكيلها، وكلّ حملة ميدانية عمّقت الشعور الفلسطيني والعربي والإنساني بأنّ العدوان ليس على تنظيمٍ بعينه بل على الوجود ذاته..وجود شعب ،وهوية وطن.

خسرت غزة الكثير من عمرانها وبنيتها، لكنّها احتفظت بما هو أثمن: قدرتها على البقاء كمركزٍ للمعنى والمقاومة.. فحماس، رغم الضربات الثقيلة، أعادت إنتاج خطابها السياسي والعسكري في ظروفٍ بالغة القسوة، واستطاعت أن تحافظ على تماسها التنظيمي، بل وتفرض نفسها طرفًا في أي نقاش حول مستقبل القطاع. لقد خسرت الحجر، لكنها لم تخسر الفكرة.

في المقابل، خرجت إسرائيل من الحرب مثقلةً بأسئلةٍ لا تجد لها إجابات مقنعة. فداخل المؤسسة العسكرية تآكلت صورة "الجيش الذي لا يُقهر”، وتكشّفت ثغرات القيادة والتخطيط..على المستوى السياسي، فقد ازدادت الانقسامات حدةً، وتراجع الشعور بالثقة بين الجمهور وقيادته، فالحرب التي رُوّج لها باعتبارها طريقًا إلى "الأمن المطلق” انتهت إلى حالةٍ من اللايقين والشك في جدوى القوة ذاتها ،التي سقطت أمام قوة التمسك بالحق والشرعية .

أما في الخارج، فقد تلقّت صورة إسرائيل ضربةً ربما تكون الأشد منذ تأسيس كيانها الإحتلالي..فهي لم تعد تُرى "كدولةٍ” تدافع عن نفسها، بل كقوةٍ تمارس العقاب الجماعي بحقّ شعبٍ محاصر.. وانهارت جزئياً منظومة التعاطف التقليدية في الغرب، وتحوّل جزء واسع من الرأي العام العالمي إلى مساءلة أخلاقية "لتل أبيب”ولمن يساندها ويشد على يدها.

الولايات المتحدة، الحليف الذي لا يتخلى، وجدت نفسها أمام معضلة مزدوجة: كيف تبرّر الدعم المفتوح لحربٍ فقدت شرعيتها الأخلاقية؟ وكيف تمنع الانفجار الإقليمي الذي قد تجرّه السياسات الإسرائيلية نحو مواجهة أوسع؟ وهكذا، تحوّل الدعم الأميركي إلى عبءٍ سياسي، لا إلى رافعةٍ استراتيجية.

بعد عامين، يظهر المشهد على حقيقته:

حماس صمدت، لأنّ ما ينهض على الإيمان لا يُسقطه السلاح..وإسرائيل تراجعت، لأنها خاضت حرباً بلا نهاية ولا رؤية، ففقدت نصف صورتها ونصف ثقتها بنفسها ، وما تبقى من أخلاقها.

الحرب التي أرادت تل أبيب أن تكون خاتمة الصراع، تحوّلت إلى بدايته الجديدة. ومع كلّ بيتٍ يُبنى من جديد في غزة، تترسّخ معادلةٌ مختلفة: أن القوة مهما اشتدّت، لا يمكنها أن تنتصر على الفكرة، ولا أن تُلغي ذاكرة شعبٍ قرّر أن يصمد حتى آخر الحصار.

كانت وصحفي أردني