تيارات تعاكس الإصلاح السياسي في الأردن: تحديات ومصالح ضيقة
كتب - محمد رمضان – أمين عام حزب الغد الأردني
يمر الأردن في مرحلة انتقالية دقيقة وحاسمة على طريق الإصلاح السياسي والاقتصادي، وهي مرحلة أكد جلالة الملك عبد الله الثاني أكثر من مرة أنها خيار استراتيجي لا رجعة عنه. لكن في المقابل، برزت تيارات معاكسة تحاول عرقلة هذه المسيرة الوطنية، مدفوعة بمصالح شخصية ضيقة تتعارض مع المصلحة العامة، الأمر الذي يشكل تحدياً حقيقياً أمام استدامة الإصلاح.
تعود أسباب بروز هذه التيارات إلى اعتبارات اقتصادية واجتماعية وسياسية. فهناك فئة من المنتفعين ترى في الإصلاح تهديداً مباشراً لسيطرتها على المشاريع والعطاءات وما يرتبط بها من مكاسب. وهناك من يخشى فقدان النفوذ السياسي والاجتماعي الذي اعتاد استغلاله لتحقيق مصالح اقتصادية وتنفيعات شخصية. كما أن حالة القلق من التغيير والخوف من المجهول تجعل بعض الأطراف متمسكة بالوضع الراهن، حتى وإن كان على حساب المصلحة الوطنية.
المصالح الشخصية لهؤلاء المعارضين للإصلاح تتجسد في رغبتهم بالحفاظ على امتيازات ومكاسب لا يريدون التفريط بها. فالإبقاء على النفوذ السياسي يضمن استمرار شبكات المصالح، والحفاظ على الامتيازات الاقتصادية يوفّر لهم دعائم النفوذ المالي والاجتماعي. في النهاية، يصبح الإصلاح تهديداً مباشراً لمكاسب اعتادوا الحصول عليها دون جهد أو منافسة عادلة.
وفي ظل هذا الواقع، نشهد أحزاباً وواجهات سياسية تدّعي أنها وُلدت من رحم الدولة، لكنها تفتقر إلى الممارسة السياسية الرصينة والبرامج الواقعية. هذه الأحزاب في الغالب تتحرك وفق أجندات خاصة وتستغل الموارد العامة بفضل وجود شخصيات نافذة داخلها. كما تحاول التأثير على القرار السياسي بما يخدم مصالحها الضيقة، وتروّج لخطاب لا يعكس المصلحة الوطنية بقدر ما يخدم مصالح محدودة ومؤقتة.
التيار المعاكس للإصلاح لا يقتصر أثره على تعطيل خطوات التغيير، بل يترك انعكاسات خطيرة على المشهد السياسي برمته. فهو يبطئ عملية الإصلاح وربما يعطلها، ويهدد الاستقرار السياسي إذا ما تحولت المعارضة إلى صراع مصالح، كما يقوض ثقة الشارع بالدولة وقدرتها على تنفيذ الرؤية الملكية للتغيير.
في مواجهة ذلك، لا بد من استذكار الأوراق النقاشية الست التي طرحها جلالة الملك عبد الله الثاني باعتبارها خارطة طريق واضحة المعالم للإصلاح السياسي. فقد أكد في الورقة الأولى على مسيرتنا نحو بناء الديمقراطية المتجددة، وفي الثانية على تطوير النظام الديمقراطي لخدمة جميع الأردنيين، وفي الثالثة على الأدوار التي تنتظرنا لإنجاح هذه الديمقراطية. أما الورقة الرابعة فقد شددت على التمكين الديمقراطي والمواطنة الفاعلة، والخامسة تناولت تعميق التحول الديمقراطي من حيث الأهداف والمنجزات والأعراف السياسية، فيما جاءت الورقة السادسة لتؤكد أن سيادة القانون هي أساس الدولة المدنية.
تطبيق هذه الأوراق بشكل فعلي وسريع يشكل الضمانة الحقيقية لتحصين مسار الإصلاح وتجذير الديمقراطية وبناء الثقة بين المواطن والدولة. ويبقى التحدي أمام الدولة الأردنية هو التعامل مع التيارات المعاكسة بحكمة وشفافية، مع الإصرار على المضي قدماً بما ينسجم مع الرؤية الملكية. فالأردن لا يملك ترف التراجع، بل يملك إرادة التقدم نحو مستقبل أكثر عدالة ومشاركة سياسية.
وندعو الله أن يحفظ وطننا الغالي، ويديم عليه نعمة الأمن والأمان.