عدنان نصار
تماما، مثل الذي يطلق النار على قدميه، ليصاب بشلل في الحركة، ومثل الذي ينأى بنفسه جانبا، ويكتفي بالفرجة. حين يتعرض الحلم العربي لإغتصاب من سافر، تتأوه الحرة وهي بين يدي السافر، فيما يضع العربي في اذن طين والأخرى عجين، لمنع تسلل الصراخ الى أعماقه.. هل صراخها يستصرخ فينا الرجولة ويستنهضها، أم أكتفينا بدور لا يقبله حتى الديوث على شرفه .!
تماما، مثل الذي يفل الحمأة المجففة بيديه ويضعها على وجهه ليخفي عار موت رجولته، أو يمحو بالحمأة السائلة ما علق على جسده ليزداد تلويثا بعد تلويث ..أي رجولة تلك التي يتجمل فيها العربي الذي يتغنى بتاريخ الخيل والليل والبيداء ..، أي عار يصاحب العربي بعد كل الذي حدث ويحدث في غزة، يا له من عار كشف عوراتنا..فلتعذرينا يا "هند رجب” فنحن الذين أطلقتا النار على قدمينا، لنشل حركتنا كي نقع وننبطح لنستجد الخنوع والخضوع ..هل باتت الرجولة يا هند غريبة عن دوائرنا؟
منذ حصار كفار قريش لبنو هاشم /قبيلة النبي محمد عليه السلام/ في مكة، لم يشهد التاريخ أي حصار لشعب أعزل في شعاب وهضاب غزة كما هو حصار غزة الآن، ولا جوع كما جوع غزة، ولا عطش على ضفاف البحر كما عطش غزة على يد أعتى المجرمين في ابشع عدوان عبر التاريخ المعاصر، الذي تجاوز الوضع الكارثي الى وضع الموت جوعا وعطشا .
في حصار كفار قريش لقبيلة النبي محمد، في بطاح مكة المكرمة، لم يرق ل”هشام بن عمرو بن ربيعة” حصار بنو هاشم، وهو من خارج ملة الإسلام لكنه عربي أخذته الفروسية والشهامة العربية الى رفض الحصار للنبي وقبيلته، وأعتبر ذلك خسة لا يقبل بها العربي، فشكل سرا "جبهة الرفض للحصار” وعمل على فكه..لم يحرك "هشام” سوى عروبيته وهويته وفروسيته ورفضه للظلم ..ما أحوجنا الى "هشام” ليفك عن غزة حصارها ..فمتى يجيء "هشام”.؟!
مأساة غزة، أكثر فتكا من مأساة مكة الذي استمر 3 سنوات ..فكلاهما تضوروا جوعا، وعطشا، وأكلوا ورق الشجر، ورأف الطير بصراخ الصغار ..غير أن في غزة الحصار الأحدث والأعنف تاريخيا، تفوق فيه المحتل الصهيوني على كفار قريش، وأفتفدنا على مدى سنتين أي أثر ل”هشام” ليقطع "خرقة” المقاطعة المعلقة على أبواب غزة ..نفتقد هشام بن عمرو بن ربيعة في حلته الحديثة ليرمي بقرارات الحصار في سلة نفايات غزة ..ما نحتاجه في زمن الجوع المرعب في غزة "هشام ” بثوب حداثوي ليوقف مهزلة يصنعها البشر ضد البشر، والعربي ضد العربي.. والآدمي ضد الآدمي ..وكفانا نتحدث عن رؤى وواجبات أخلاقية على طاولات المباحثات والمفاوضات ..لننهي التجويع بقرار عربي جماعي، دون النظر الى التبعات ..ف”هشام” خالف قبيلة الكفر وأنقذ قبيلة الإيمان ..أنقذ بنو هاشم قبيلة النبي محمد بن عبدالله عليه السلام .
الموقف الأردني، كسر قواعد الحصار، مرات عديدة منذ بدء العدوان الاسرائيلي الهمجي على قطاع غزة، قدر المستطاع في ظل الهيمنة الإسرائيلية على قرار الإدخال أو المنع، وهو بذلك أمتثل للواجب الأخوي الذي يربط الأردن بفلسطين، ولعل لشاحنات المساعدات والمستلزمات الغذائية وغيرها التي عبرت من الأردن الى غزة اليومين الفائتين، شكلت بارقة أمل عربية.. كنا نتمنى أن يفعل العرب كما فعل الأردن .
ما نشاهده من بقايا أطفال وهياكل تتلوى جوعا "يصعب على الكافر” فما هو حال قوم الإيمان من أبناء جلدتنا ..هل نكتفي بالحوقلة والولولة، أم نستصرخ تاريخنا لينهض بن ربيعة من قبره .؟!
كاتب وصحفي أردني