الفاشل أخطر من الفشل حين يعتنقه كمنهج
كتب _فادي السمردلي
في علم النفس والسلوك التنظيمي، يُعرف هذا النوع من الشخصيات بأنه يعيش حالة من التنافر المعرفي والتضخيم النرجسي، حيث يُنكر الواقع ويعيد تعريف الفشل كنجاح.
في عالم معكوس، تجد الفاشل يقف على أطلال منظومته المدمّرة من الداخل، ويبتسم بثقة المنتصر، ثم يحدّثك عن "نجاحاته” كما لو كان أنجز شيئًا خارقًا لا تفهمه فهو لم يحقق شيئًا يُذكر سوى الكلام ، لم يصل لنتيجة سوى السقوط، لم يُحقق هدفًا الا في مرماه ، لم يُثبت كفاءة الا في الخيال ، ومع ذلك يتحدّث إليك وكأنه أحد روّاد التغيير في التاريخ المعاصر وتلك ليست مجرّد غفلة أو سذاجة، بل حالة نفسية مركبة معقدة ، تقترب من الوهم المرضي، حيث يصبح تزييف الواقع أسلوب حياة، وبيع الفشل كنجاح مهارة يمارسها باحتراف.
الفاشل حين يتحدث عن فشله كنجاح، لا يفعل ذلك خجلًا أو دفاعًا لحظيًا عن نفسه، بل يعتنق هذا الوهم كمبدأ فيقف أمامك بوجه جامد، ويخبرك أن "التأخير كان مقصودًا” كتكتيك استراتيجي ، وأن "النتائج لم تكن فورية لكنها ستظهر لاحقًا” وكانه بانتظار "مصباح علاء الدين "، وأن "الطريقة التي يعمل بها غير تقليدية” وكأنها "اختراع ذرة "فهل هذا هروب؟ نعم هو كذلك وهل هذا كذب على النفس والآخرين؟ قطعًا. لكن الأهم، هل هذا طبيعي؟ إطلاقًا لا فنحن أمام مرضٍ نفسيّ متفشٍ، قوامه إنكار الواقع وتضخيم الأنا إلى درجة يصبح فيها الخطأ بطولة، والفشل إنجازًا، والنكسة "إعادة تموضع استراتيجي”.
مثل هؤلاءالشخوص لا يفتقرون فقط إلى القدرة على الإنجاز، بل يعانون من عمى إدراكي كامل، لا يرون انفسهم كما هي، ولا يرون العالم كما هو فالوعي الذاتي عندهم مشلول، والنقد الذاتي معدوم، وكل ما حولهم إما أعداء لا يفهمونهم، أو بيئة "غير ناضجة” لا تستوعب عبقريتهم الفذة وهنا تبرز النرجسية بأقبح أشكالها فالفشل لا يُنسب إليهم أبدًا، بل دائمًا ما يكون نتيجة لمؤامرات، أو جهل الآخرين، أو "الظروف”. أما هم؟ فهم دائمًا الضحية والمضحين للمنظومة ، فتخيّلوا حجم انفصالهم عن الواقع.
والأخطر أن هؤلاء لا يؤذون أنفسهم فقط، بل يُلحقون ضررًا عميقًا ببيئة المنظومة التي يعملون فيها فإذا كان مديرًا، يُسمّم الفريق بثقافة الخداع الذاتي والتبرير المفرط فيُشيع وهم النجاح ويجعل الجميع يعيشون في مسرحية جماعية لا بطل فيها ولا مشهد نهائي فإذا كان عضوا، يزرع الإحباط في زملائه، ويُكرّس فكرة أن الجهد الحقيقي لا يُكافأ، وأن الكلام المنمق أهم من النتائج الفعلية.
الخلل الإداري هنا لا يكمن فقط في ضعف التقييم أو انعدام الكفاءة، بل في إرادة التزييف، وفي الإصرار على تجميل القبح بدل معالجته فبدل أن يعترف بخطئه وخطيئته ويبدأ من جديد، يُعيد سرد القصة بطريقة تجعله يبدو كمنتصر لا يُهزم وهنا نصل إلى قاع المشكلة فهو لا يريد أن يتغير، لأنه يعتبر أن لا شيء خاطئ فيه فكيف تطلب من شخص يعتبر فشله نجاحًا أن يُحسّن أداءه؟ كيف تنتقد شخصًا يظن أنه قدوة؟ وكيف تُقنعه بأنه يحتاج للمراجعة إذا كان يرى كل ما يفعله صحيحًا بعيون عمياء لا ترى سوى انعكاس صورته المتضخمة؟
في النهاية، هؤلاء ليسوا فقط عبئًا على بيئات العمل، بل قنابل موقوتة داخلها ليس لأنهم فشلوا، بل لأنهم رفضوا أن يعترفوا، واختاروا بدل ذلك أن يبنوا قصورًا من الرمل فوق مستنقعات الحقيقة فهذا ليس غباءً فقط، بل تدميرٌ ممنهجٌ لأي أملٍ في التقدّم فهؤلاء لا يحتاجون إلى ترقيات، ولا إلى إعجاب زائف، بل إلى علاج نفسي عاجل، ومواجهة قاسية تُعيدهم من أوهامهم إلى أرض الواقع. الفشل لا يُعيب، لكن تمجيده جريمة.
الكاتب من الأردن