هل ستلفظ المؤسسات الأكاديمية أنفاسها الأخيرة؟

كتب: يزن عيد الحراحشة
   تتوالى الطعنات في بنية المؤسسات التعليمية محليا ودوليا، بل أصبح الطعن بفكرة الدراسة والمدارس سمة عصر التمييع القائم، فحالة تقاعس الطبقة النخبوية أكاديميا عن نقد حالة التسفيه وفقدانها لتأثيرها المجتمعي أدت إلى ردة فعل عكسية، فانطلق عتاة التفاهة وأرباب السذاجة وجموع الأرجواز لمهاجمة التعليم مرات ومرات، وللأسف هذا ما يلقى رواجا عند فئة الأطفال والفئات الأقل حظا على الصعيد الفكري.
    فهذه إحدى الجامعات الخاصة الأردنية تستضيف بحفل مهيب المدعو ج. أ. م (تافه تيكتوك) يملك شقق في ميامي يركز أكثر من ثلث محتواه لمهاجمة فكرة الذهاب للمؤسسات التعليمية ويسخر من مستقبل خريجيها -فيما ينفق ثلثي وقته الآخر في عرض سجائره ورثاثته المقدمة في قوالب ذكورية- وتزيد الجامعة إمعانا في سلوكها حيث تنصبه محاضرا بين عدد غفير من طلابها المتحمسين!
    في شق آخر ستجد آلاف المنشورات والمقاطع القصيرة التي تعرض الصفوف القصوى التي وصلها أثرياء العالم، فهذا هرب من الصف السادس وذلك فُصل من الجامعة وهما يملكان كذا مليون، قصة لذيذة ليسيل لعاب أي مراهق طامح بامتلاك سيارة رياضية وبيت في ميامي وصديقتين شقروات، لا بل إن التفات اليافعين لهذا المحتوى يزداد تضخما يوما بعد يوم، حتى أضحى الموجهون بحاجة إلى ساعات وساعات لإقناع الطلاب بالتزام المدارس أو فتح الكتب.
    أرباح وأرباح... المزيد من الأرباح في تراكم الخسائر!
لا يجد أي مقبل على دراسة حرجا في رفضها، فنحن في وسط بلد مليء بآلاف الخريجين العاطلين عن العمل وعشرات ممن يحصلون على أرباح طائلة لهزهم أوساطهم في تيكتوك أو فقس البيض على رؤوسهم فيه، ويحصد آخرون عشرات الآلاف بسبب تكبيسهم على شاشات خضراء متداولين أموالهم، فهذه النماذج القليلة والتي تنصب مئات أفخاخ النصب مثلها مثل جماعات علم الطاقة وغيرها تزيد السواد في عيون الأجيال الصاعدة، وكل هذه انتصارات لشق التفاهة الذي يأكل كل شيء!
     فلنوزع الشوكلاتة!
إن "التريند" الأخير تم تناوله مرات ومرات رميا بتهم كونه رشوة وغيرها، لكن ما يستحق لفت النظر فيه بداية هو حالة التماثل المتعاظمة لدى طلاب الجامعات، ومن ثم أستطيع النظر إلى النجاح الذي حققه هوس التريند ليخترق المؤسسات الأكاديمية رأسا، فنعم كنا وما زلنا نجد عشرات المهرجين من معلمي المنصات للصفوف المدرسية، لكن هذه المرة الأولى التي ينجح فيها تيكتوك في الوصول بعينه إلى أغلب القاعات التدريسية الجامعية ويغازل مدرسيها.
    قد تستحق الحالة هذه زوبعة نقاشات حيال مدى صحتها وأخلاقيتها ومكان تموضعها و و و... ولكن ما يهمني الآن نقطة مركزية واحدة، وهي رفع هوس التريند المتوج بالمقاطع القصيرة راياته في مئات الغرف الصفية، وكنت سأمتن لفكرة التعبير عن الشكر للمعلمين، ولكن ما يسوؤني هو أن الحالة لم تدفع بغير تحقيق التريند والظهور فيه!
     عوامل ضعف أخرى!
إن تردي الحالة الثقافية والمعرفية وتفتت فكرة الموجهين الموسوعيين ساهمت في سهولة تمييع فكرة التعليم، فنعم بعدما كانت المؤسسات الأكاديمية صاحبة كل أولوية، وبعد أن كان العلماء مشاهيرا أصبحنا الآن في عصر يقفون فيه خوفا من غبار الرفوف أو التمييع، وأي مهالك هذه!
     الذكاء الاصطناعي، عدو الذكاء البشري!
إن ما تقوم به أدوات الذكاء الاصطناعي تزيد الحالة تعقيدا، فهذا الملف الجديد أصبح يغني الطالب عن المزيد من التفكير، فنعم أنا معه بقوة كمساعد بحثي عظيم، ولكن هذه التطبيقات أصبحت تأخذ دور الطالب والباحث والكاتب في مجاله نفسه، فأصبح يحل الواجبات ويقوم بأبحاث ويكتب المحاضرات، حتى لم يعد للعقل البشري المؤمن به دورا، وهذا له ما له من دور في تردي المحتوى المعروض، خصوصا الذي من المفترض أن يكون مواكبا لمشاهدات حية متضمنا وجهات نظر شخصية!
    نداء أخير!
علينا المحاولة، محاولة الانتفاض للحفاظ على العقل البشري من السقوط المدوي في مهالك التهريج والتزوير، على كل فرد منا أن يحافظ على نفسه بعيدا عن خسرانها، فمن هو الإنسان إن لم يبق حرا من التماثل المفرط والتكرار الدماغي والببغاوية المذلة! وهل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟! وكيف سنبني حضارات من سراب!