عيد الأنوار العبري...أحدث محطات التهويد في الأقصى والخليل /2

 كتب - زياد ابحيص

عيد الأنوار العبري في أصله عيد هامشي من الناحية الدينية؛ إذ أنه من آخر الأعياد دخولاً للرزنامة العبرية وليس فيه أي يوم للصيام أو الامتناع عن العمل وفق الشريعة التوراتية، إلا أن مجموعة من الخصائص زادت من مكانته في العقود الأخيرة: الأولى طول مدته لكونه يمتد على مدى ثمانية أيامٍ كاملة، والثانية هي التزامن النسبي مع موسم الأعياد المسيحي الغربي ما بين عيد الميلاد ورأس السنة –وهو تزامن متحقق هذا العام- ما يسمح بتعزيز مقولة "التراث اليهودي-المسيحي المشترك"؛ رغم أنه في التطبيق موسم تضييق على المصلين والمحتفلين المسيحيين في #القدس باسم تأمين الأعياد اليهودية، وهذا السبب كان يعزز مكانة هذا العيد إبان انتشار اليهود في أوروبا. أما الخاصية الثالثة فهي معناه التاريخي إذ تزعم التوراه أنه يعود إلى عهد انتصار الثورة المكابية لليهود على السلوقيين واحتلالهم القدس وإعادة "تأسيس الهيكل" في القرن الثاني قبل الميلاد، وهو ما يجعله مرتبطاً بفكرة الهيكل وبالقتال لاستعادته، والخاصية الرابعة والأخيرة هي ارتباط هذا العيد بالشمعدان الذي اتُخذ شعاراً مركزياً للكيان الصهيوني عند تأسيسه، فللشمعدان تسعة أذرع، أربعة من كل جهة ترمز للأيام الثمانية لمعجزة إنارة الهيكل بعد "استعادة" اليهود له من السلوقيين وفق الزعم التوراتي، أما الذراع الوسطى العلوية فهي "الشاهد" وهي شمعة إشعال بقية أذرعه، ومن هنا فإن الاحتفاء الصهيوني المعاصر بهذا العيد أخذ يتحول إلى احتفاء بالدولة والجيش باعتبارهما الثورة المكابية الحديثة التي لا بد أن تنتهي بتجديد الهيكل المزعوم، ومن هنا باتت أهمية "عيد الأنوار" القومية المعاصرة أكبر بكثير من أهميته الدينية التاريخية.
 
*العدوان المرتقب في "عيد الأنوار العبري":*

يمتد "عيد الأنوار العبري" هذا العام ما بين يوم الأربعاء 25-12-2024 والذي يوافق يوم عيد الميلاد المسيحي بالتقويم الغربي، وحتى يوم 2-1-2025 أي أنه يتزامن كذلك مع رأس السنة الميلادية. أما العدوان المرتقب خلاله في #الأقصى فهو إشعال الشمعدان حول المسجد الأقصى ليلاً وأداء طقوس توراتية مع تعزيز الاستفراد بسوق القطانين وساحة الغزالي إلى حد بات يجعلها أقرب إلى كُنُس مؤقتة في ليالي هذه الطقوس مرتكزة في ذلك إلى قرار لمحكمة الاحتلال العليا في 17-12-2017 بالسماح للمستوطنين بأداء كامل طقوسهم على أبواب المسجد الأقصى، يضاف إلى ذلك تعزيز الاقتحامات نهار تلك الأيام الثماني ومحاولة إشعال الشمعدان ولو رمزياً داخل المسجد الأقصى في إطار المحاولة المستمرة لنقل كامل الطقوس التوراتية إلى داخله، على الرغم من أن وقت إشعالها دينياً هو بعد غروب الشمس وليس في ساعات النهار، وهي محاولة تريد أن تبني على سابقتين كانت الأولى منهما في 2021 بإشعال ولاعة وأداء صلوات مصاحبة وبشكلٍ رمزي، والثانية في 2023 حيث أشعلت ثلاث شمعات على حجارة المسجد الأقصى.  وإذا ما كانت محاولات أداء طقوس الشمعدان في المرتين جرت تسللاً وبغياب الأدوات اللازمة، فإنها تبقى مقدمات تحاول الصهيونية الدينية التأسيس عليها للوصول تدريجياً إلى أداء الطقس الديني الكامل وإدخال جميع الأدوات التي يتطلبها.

علاوة على ذلك، تحاول جماعات الهيكل المتطرفة أن تجعل من هذا العيد مناسبة لمسيرة سنوية للمطالبة بالعدوان الشامل على أوقاف القدس التابعة للأردن، وطردها من المسجد الأقصى وسلب كامل صلاحيتها لصالح إدارة صهيونية تعينها حكومة الاحتلال، وهو التقليد الذي بدأته في عام 2022 حين كانت تناقش رسالة مطالبها الشهيرة ذات البنود الأحد عشر والتي تحولت إلى برنامج عمل لوزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن جفير، وهي مسيرة حاولوا تنظيمها في السابع من الشهر الحالي لكن شرطة الاحتلال حظرتها بسبب رسالتها التحريضية، وتعول جماعات الهيكل المتطرفة على تكرارها في 26-12 بزخمٍ أعلى تحت اسم "مسيرة المكابيين".

أما في المسجد الإبراهيمي، فيعمل الكيان الصهيوني على تحويل "عيد الأنوار" إلى مناسبة لتكريس السيادة الصهيونية المزعومة عليه، حيث يحاول مسؤولوه فرض حضور مركزي في إشعال الشمعدان داخل المسجد الإبراهيمي فكانت السابقة الأولى في 29-12-2019 حيث أشعل الشمعدان فيه نفتالي بينيت وكان حينها وزير حرب الاحتلال، ثم في 28-11-2021 أشعل الشمعدان فيه رئيس الكيان الصهيوني يتسحاق هرتزوج رغم أنه محسوب على يمين الوسط، أما في العام الماضي 2023 فقد كان معظم المشاركين في هذا الاحتفال داخل المسجد الإبراهيمي من عائلات الأسرى الصهاينة في قطاع غزة أو من جنود الاحتلال العائدين من مهامهم في حرب الإبادة المستمرة منذ ذلك الحين.

*في الخلاصة،* يستمر الكيان الصهيوني في تصعيد عدوانه على المسجد الأقصى المبارك بصفته أحد العناوين المركزية لمعركة الحسم، وتعزز جماعات الهيكل العدوان عليه بموسم مركزي خامس تحاول منذ خمس سنوات تكريسه في رزنامتها السنوية، بينما يجمع الكيان الصهيوني بكل تياراته على جعل هذا العيد عنواناً لضم الخليل وإعلان السيادة المزعومة على مسجدها الإبراهيمي، وهو ما تقف المقاومة سداً وحيداً مُجدياً في مواجهته، وهو ما يفرض العمل بكل جهد ممكن على تحويل هذه المناسبات من مناسبات تختص بنخبة محدودة من المرابطين والمقاومين يصطفيهم الله لخوض معركته إلى عنوان مركزي لاستنهاض الأمة بأسرها وإشراكها في هذه المعركة التي هي بحق المعركة المركزية لإرادتها وهويتها ووجودها، وهي مهمة لما تتحقق رغم أولويتها.

#الأقصى_معركة_وجود