الظهور الأول للبشير .. رئيس وزراء أم واعظ “حالم”

بلباسٍ مدني وبدلة جميلة؛ وليس بدشداشةٍ وعمّة، كان الظهور الأول لرئيس وزراء حكومة تصريف الأعمال السورية، محمد البشير، على قناة الجزيرة أمس، حيث قدّم أفكاراً عامة عن رؤيته ونظرته للمرحلة القادمة في سوريا.

هذا الظهور؛ وفي نظرة تقييمية لشخصية محمد البشير، وجدنا فيه الواثق من نفسه، لطيف المظهر، يخلط بين الصبغات الدينية والسياسية والإدارية، معتزاً بإنجازاته كرئيس حكومة إنقاذٍ في إدلب، ووصل فيه الأمر إلى أن تصبح دمشق مثل إدلب، مع معرفته بالفارق التاريخي والحضاري بين المدينتين.

هل يملك البشير المؤهلات لإدارة المرحلة القادمة تنفيذياً؟

حسب ما ذكر البشير؛ فإنه يملك قصة نجاحٍ في إدلب، لدرجة أن حكومته القادمة، والتي ستُعلن خلال أيام، ستستند إلى حكومة الإنقاذ السورية التي كانت تعمل في شمال غربي سوريا؛ وستتولى هذه الحكومة الجديدة مسؤولية استلام ملفات النظام السابق، والذي كان يضم 28 وزارة، وأكد أن الدفاع المدني السوري قد باشر عمليات رفع الأنقاض وإعادة تأهيل شبكة الكهرباء في حمص.


أما فيما يتعلق بالأمن؛ فقد أكد أنه الأولوية في هذه المرحلة، وأن الخدمات ستعود بشكل كامل لكافة المناطق في سوريا، مع تصحيح أخطاء النظام السابق في تهميش مدن الأطراف؛ كل هذا سيحدث خلال أشهر قليلة معدودة، حسب كلامه؛ ووصلت فيه الثقة بالنفس إلى أن يتعهد بزيادة رواتب موظفي الدولة السورية بنسبة 300% خلال الفترة القريبة القادمة.

"البشير وصلت فيه الثقة بالنفس إلى أن يتعهد بزيادة رواتب موظفي الدولة السورية بنسبة 300% خلال الفترة القريبة القادمة !”

بالمقابل؛ لم يقدم البشير أي برنامجٍ حقيقيٍ لهذه الأحلام، ولا كيف سيؤمن ذلك، ولا حتى التمويل اللازم، خصوصاً إذا ما ربطناها بتصريحات الجولاني بعدم وجود أي تنسيق مع أي دولةٍ."لم يقدم البشير أي برنامجٍ حقيقيٍ لهذه الأحلام، ولا كيف سيؤمن ذلك، ولا حتى التمويل اللازم، خصوصاً إذا ما ربطناها بتصريحات الجولاني بعدم وجود أي تنسيق مع أي دولةٍ”


أما في المجال السياسي؛ فكان حديث البشير منسجماً مع توجهاته الفكرية والدينية، ولم يقدم فيه خطاب انفتاحٍ على الآخر أو دعوة لتياراتٍ أخرى لتكون شريكة في المرحلة القادمة؛ وتحدث عن النظام السوري السابق بذات لغة المعارضة السابقة أيضاً (الحكومة حالياً)، بل إنه سقط عن لسانه أثناء حديثه أن يقول "النظام السابق”، بل كان يقول "النظام” في وصفه للأسد.

"حديث البشير جاء منسجماً مع توجهاته الفكرية والدينية، ولم يقدم فيه خطاب انفتاحٍ على الآخر أو دعوة لتياراتٍ أخرى لتكون شريكة في المرحلة القادمة”

وقدم البشير عدداً من الحقائق المثيرة حول اعترافات رئيس الوزراء السابق الجلالي عن علاقته بالأسد، منها أنه لم يقابله إلا مرة واحدة في حياته، وأنه كان يتلقى الأوامر من المكتب العسكري، وأنه لم يعلم بمغادرته للبلاد إلا من وسائل الإعلام؛ بالإضافة إلى اعترافه بأنه لم يتوقع سقوط نظام الأسد بهذه السرعة، وأن هدفهم من الثورة كان "ردع العدوان عن عدد من المحافظات”."اعترف البشير بأنه لم يتوقع سقوط نظام الأسد بهذه السرعة، وأن هدفهم من الثورة كان ردع العدوان عن عدد من المحافظات”

خطاب البشير؛ سياسي أم إداري أم ديني؟

لاحظنا في خطاب البشير غياب البرنامج الواضح؛ وهذا ليس مستغرباً لشخصٍ تحول فجأةً من رئيس وزراء إدلب إلى رئيس حكومة الدولة السورية؛ ولكن ما حمله من حديث كان شعبوياً من طرازٍ رفيع، ويبتعد عن المنطقية والعملية، خصوصاً في رفع الرواتب وتحسين البنى التحتية المهترئة منذ عقود، بل وكأنه قدّم خطاباً انتخابياً يدعو فيه الناخبين للتصويت له.

"ما حمله من حديث كان شعبوياً من طرازٍ رفيع، ويبتعد عن المنطقية والعملية، خصوصاً في رفع الرواتب وتحسين البنى التحتية المهترئة منذ عقود، بل وكأنه قدّم خطاباً انتخابياً يدعو فيه الناخبين للتصويت له”


ولعل تجربته في إدلب كانت ناجحة، ولكن ما يُعلم عنها هو القليل نتيجة غياب الإعلام عن هذه المنطقة لسنوات طويلة؛ ومع ذلك، لم يقدم ما يُبشر غير الخطاب والدعوات الدينية بالتوفيق، وليس المحبوكة إدارياً.

الأيام القادمة ستثبت صحة كلامه وإن كان يملك برنامجاً لتطبيق هذه الوعود، أم أنه كان من الأفضل استمرار الجلالي لفترة أطول لتثبيت بيروقراط الدولة السورية وتسيير الأعمال اليومية تحت إشراف القيادة السياسية الجديدة؛ ذلك لحين إعداد البشير بشكل أفضل وبناء برنامج حقيقي لإصلاح الدولة السورية، خصوصاً أن المواطن السوري قد خرج من القمقم ولن يسمح بالخذلان مرةً أخرى.