قراءة لخطاب العرش السامي الاول في المئوية الثانية للملك عبد الله الثاني

قراءة لخطاب العرش السامي الاول في المئوية الثانية للملك عبد الله الثاني 
كريستين حنا نصر
  عند مشاهدتي لجلالة الملك عبد الله الثاني على التلفزيون أثناء القاء جلالته خطاب العرش لافتتاحية الدورة العادية لمجلس الأمة العشرين ، ولأول خطاب عرش ملكي في المئوية الثانية للمملكة الاردنية الهاشمية ، وقبل أن أدخل في تحليل خطاب الملك عبد الله الثاني أود أن أسرد أكثر عبارة  اثرت عليّ عند سماعي لخطاب جلالته علماً بأن كامل الخطاب بالغ الأهمية أيضاً ، وهذه العبارة هي عند مخاطبة جلالته بشكل خاص الجيش والأجهزة الأمنية، حيث لاحظت تأثره الواضح من خلال ملامح وجهه ، عندما قال لهم :" هؤلاء هم ابناؤكم وبناتكم ، أدوا التحية للعلم ولبوا الواجب بكل شرف ، وسيبقى جيشنا العربي وأجهزتنا الأمنية مصدر فخر واعتزاز لوطنهم وأمتهم ، أنتم على العهد النشامى، النشامى "، وكان الملك متاثراً بشكل واضح مظهراً امتنانه وشكره لهم ولولائهم للملك وشعب المملكة الأردنية الهاشمية، وبالتحديد  خلال ما يمر به الوطن اليوم من تحديات في الدفاع عن أمن وسيادة الأردن الممثل بالعلم ، وقد بين ذلك قول جلالته " أدوا التحية للعلم"، خاصة في هذه المرحلة العصيبة والوقت الذي يعاني من تداعياتها الوطن ويتطلب فيها الوطن الدفاع عنه وعن سيادته ، حيث تشهد المنطقة العربية الكثير من التحديات ، خاصة على حدودنا الشمالية مع سوريا والعراق ، وتزايد الانتهاكات لحدودنا وأمنها  وحمايتها من تجاوز المسيرات وتهريب الأسلحة والمسلحين وتهريب المخدرات، وهنا فإن الرسالة الملكية كما اراها هي أن الواجب على كل اردني أن يقدر أهمية الأمن والأمان الذي نعيش فيه . وهذه النعمة متأتية من تضحيات وجهود وتفاني أفراد الجيش العربي وأجهزتنا الأمنية ، ويظهر جلياً ان جلالته شدد على هذه المسألة والنقطة الهامة، ووجه شكره واعتزازه ومن أعماق قلبه لجيشنا وأجهزتنا الأمنية ، متأثراً بمدى اخلاصهم النبيل وولائهم المطلق لحماية المملكة وشعبها وأرضها من كل المخاطر وعلى كافة الأصعدة .
وقبل أن أدخل في تحليل مضامين خطاب العرش السامي ، أريد أن أشير أيضاً الى تاريخ الهاشميين في خطابات العرش السامية ، وعبر عقود حكمهم في الأردن ، فخطابات العرش السامية هي بالمجمل خطابات رسمية يُفوّض جلالة الملك في القائها بموجب الدستور الأردني ، وذلك خلال افتتاح الدورات العادية لمجلس الأمة ، وفيها يستعرض جلالته السياسات الوطنية ومرتكزات القضايا الحيوية الهامة في المنطقة ، حيث كان أول خطاب عرش ملكي امام المجلس التشريعي بتاريخ 2 نيسان عام 1929م، أي في عهد إمارة شرق الاردن، هذه المجالس على اختلاف مسمياتها ( المجلس التشريعي ومجلس الأمة ) يحكمها الدستور الأردني ،وهو دستور جامع ومتطور بمواده القانونية ، حيث شهد مجلس الامة الأردني تولي المغفور لهم جلالة الملك عبد الله الأول وجلالة الملك طلال بن عبد الله وجلالة الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراهم، واليوم طبعاً يتولى عرش المملكة الاردنية الهاشمية ليقود المسيرة على نهج الاجداد والاباء من بني هاشم جلالة الملك عبد الله الثاني حفظه الله .
وقد شهد البرلمان الاردني على مدى عقود أحداث مهمة في تاريخ المملكة الاردنية الهاشمية ، أهمها اعلان استقلال الاردن عام 1946م ، وايضاً اعلان الدستور الاردني عام 1952م ، والذي يعد دستوراً متطوراً ( شاملاً تعديلاته لغاية عام 2011م) لنظام حكم سياسي نيابي ملكي وراثي ، وفصل الدستور بين السلطات الثلاث  ويعتبر الاكثر تقدماً بين الدول العربية في ذلك الزمن ، وهنا أيضا فإن خطاب العرش السامي لجلالة الملك عبد الله الثاني سيدخل التاريخ لاهميته وتميزه عن باقي خطابات العرش الاخرى ، حيث أن هذا المجلس النيابي له خاصية مميزة، باعتباره ولد من رحم اصلاحات سياسية جاءت ثمرة جهد اصلاحي مميز، وعلى كافة مفاصل الدولة ، اذ تحولت هذه الاصلاحات الى قوانين وتشريعات ملموسة للمجتمع ، وأيضاً فان هذه الدورة تعقد في أول ثاني مئوية للمملكة الاردنية الهاشمية ، وبصبغة حزبية شاركت في تشكيلها أحزاب جديدة ، هي وليدة تشريعات حديثة لقانون الاحزاب الاردني الجديد ، وقد أفرزت الاحزاب العديد من النواب في البرلمان تابعين لها في مجلس الامة العشرين ، وقد تشكلت الاحزاب المتنوعة من الاتجاهات السياسية المختلفة منها الاسلامي وغيرها من الاحزاب المعتدلة ، لذلك كله فإن هذا الخطاب الملكي حتما سوف يدخل التاريخ باعتبار هذه الاصلاحات السياسية كانت بتوجيهات ملكية من الملك عبد الله الثاني .
ان خطاب العرش الهاشمي السامي وبموجب المادة رقم 79 من الدستور تنص على :" يفتتح الملك الدورة العادية لمجلس الامة بالقاء خطبة العرش في المجلسين مجتمعين ، وله ان ينيب رئيس الوزراء أو أحد الوزراء ليقوم بمراسيم الافتتاح والقاء خطبة العرش ويقدم كل من المجلسين عريضة يضمنها جوابه عنها" ، حيث يرفع بعد هذا الخطاب مجلس الاعيان والنواب كل على حدة رده على الخطاب ،  ويكون الرد على خطاب العرش السامي خلال اسبوعين من تاريخ بدء الدورة العادية ،  وفيما يتعلق بحق الانابة الواردة في المادة فقد اتبع فقط في عهد الملك عبد الله الاول في ست مناسبات بين عامي 1929 و1947م ، حيث فوض جلالته رئيس الوزراء حينها بالقاء خطاب العرش . وخطابات العرش هي خطابات رسمية ملكية سامية ، تكون بمثابة خارطة طريق يوجدها الملك للبرلمان والاعيان والحكومة والشعب الاردني ، تتصل بالسياسات الداخلية  والسياسات الخارجية مع الدول العربية والخارجية مع العالم ،   حيث اوجدها الملك عبد الله الثاني في خطاباته أيضا ، تتعلق بتوجيهات سامية ملكية تتعلق بتحديد الاولوية والاهمية في  تاسيس خارطة عمل للمرحلة بما فيها من احتياجات ، والتي يجب الاشتغال عليها ، وخطاب العرش هذا يكشف جوانب خطة ومنهاج  عمل الدولة المقبل ، ويركز على الاهداف التنموية والسياسات الداخلية الوطنية مثل البطالة والتحديات المعيشية ودور المرأة والشباب المحوري في التنمية المستدامة ، الى جانب مشاركة المرأة والشباب أيضا في الحياة السياسية ،  وايضا في معظم خطابات الملك عبد الله الثاني فان الحديث يكون عن القضية الفلسطينية خاصة بعد معاهدة السلام مع اسرائيل ، حيث التركيز على القدس وفلسطين والدولة الفلسطينية على كامل اراضيها الشرعية وعاصمتها القدس الشرقية ، وموضوع حل الدولتين للحصول على السلام العادل ، ولكن في هذا الخطاب بالتحديد جلالة الملك عبد الله الثاني يخصص خطابه لغزة والاعتداءات الاسرائيلية في الضفة الغربية واولوية جهد الاردن لوقف الحرب ، كما يذكر جلالته بجهود الاردن الجبارة في اغاثة الجرحى ، وكيف ان الاردن هو اول من ارسل المساعدات للاشقاء في غزة ، وسيبقى الاردن معهم حاضرا وفي المستقبل .
وفي هذه المرة فإن خطاب العرش السامي لم يتطرق الى الحلول السياسية للقضية الفلسطينية ككل أي حل  الدولتين ، بل أكد الملك على ان السلام العادل هو  رفع الظلم التاريخي عن الشعب الفلسطيني ، وهي ثوابت الاردن وسيبقى دوماً متمسك بها ليعيد كامل الحقوق لاصحابها ، ومنح الامن رغم كل التطرف والمعيقات للذين لا يؤمنون بالسلام ، وهنا يعطي جلالة الملك اهمية لعروبة القدس بوصفها اولوية اردنية هاشمية ، بما في ذلك الدفاع عنها والحفاظ على مقدساتها بموجب امانة الوصاية الهاشمية التي يؤديها الهاشميون والاردن بشرف وأمانة ، وهنا في خطاب الملك يعطي اهمية ويصر جلالته على انه يجب على هذا المجلس تطبيق مشروعه للتحديث السياسي والعمل الجماعي لتطبيقه بين السلطات الثلاث ، كما يجب ان يكون لهم برامج وافكار للعمل اساسها النزاهة واعطاء اولوية لمصلحة الوطن والدولة ، ويحث جلالته الجميع للعمل على الهدف الاساسي وهو السعي لتقديم حياة كريمة للمواطن الاردني بمن فيهم الشباب ، والسعي لتوفير وظائف المستقبل ورفع معدلات النمو خلال العقد القادم ، خاصة بما يملكه الاردن من كفاءات بشرية وايضا علاقات عالمية كفيلة أن تكون دوما رافعا للنمو ، وايضا حث جلالته على ضرورة اصلاح القطاع العام بكل كفاءة ادارية ، وتقديم الخدمات النوعية للمواطنين بعدالة ونزاهة ، وعلى النواب والاعيان حمل مسؤولية الرقابة لتنفيذ مسارات التحديث والاصلاح ، خاصة ان لا خيار لنا الا التقدم في خدمة الاجيال والوطن ومستقبله . 
واكد جلالته على اننا دولة راسخة لا تغامر في مستقبلها  وتحافظ على ارثها الهاشمي ، وانتمائها العربي ولن يكون الاردن خاضعاً تملى عليه سياسات لا تلبي مصلحة الاردن أو من شانها أن تخرجه عن قيمه ومبادئه الثابتة ، ويختم الملك خطابه للعرش السامي وهو يطمئن الاردنيين بانه سنواصل بناء الاردن ، والذي سوف يكتسب فصولا جديدة في مسيرته التي سيبقى الانسان اغلى ما فيها .
وان الاردن سيبقى عظيماً وطن طيب ومبارك بأهله وشعبه وارضه وبوجه عربي صادق، وعنواناً للخير دوماً ويملأ السلام كل يوم من أيامه ، واننا سنصنع بداية المستقبل بالايمان والثبات والعزيمة .