إعادة انتخاب ترامب.. ماذا يعني ذلك للأميركيين والعالم؟

كتب - ليث القهيوي 

أعيد انتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة الأميركية، ما أثار تساؤلات عميقة حول تأثير ذلك على السياسة الداخلية والخارجية الأميركية، وكذلك على التوازنات الدولية. يُشكل هذا القرار عودة قوية لسياسات "أميركا أولاً” التي ميّزت ولايته السابقة، والتي حققت شعبية ملحوظة بين الأميركيين من جهة، وأثارت قلقًا وانتقادات واسعة من جهة أخرى. في هذا المقال، سنتناول الأبعاد المختلفة التي من المتوقع أن تؤثر فيها إدارة ترامب الثانية على الداخل الأميركي والسياسات الدولية.

يُعد الاقتصاد أحد العوامل الأساسية التي اعتمد عليها ترامب لاستقطاب الناخبين في حملته الانتخابية. فقد قدم وعودًا واضحة بالتركيز على تحسين الاقتصاد الوطني، وتقليل الضرائب، وتعزيز فرص العمل، وهي سياسات أسهمت في تحقيق معدلات نمو اقتصادي ملحوظة خلال فترته الأولى. ومع عودته للسلطة، من المتوقع أن يستمر ترامب في نهجه عبر دعم الصناعات الأميركية ومحاولة تقليل الاعتماد على الواردات الأجنبية، لا سيما من الصين. غير أن هذا النهج قد يؤدي إلى تجدد الحروب التجارية التي كانت قد أثرت بشكل كبير على الأسواق العالمية، وخاصة تلك التي ترتبط بتجارة التكنولوجيا والمواد الأولية.


تجديد ولاية ترامب يُعني أيضًا استمراره في سياسات الهجرة الصارمة التي اشتهرت بها إدارته الأولى، مثل تقييد الهجرة الشرعية وتطبيق سياسة "عدم التسامح” مع المهاجرين غير الشرعيين. بالنسبة لترامب وأنصاره، فإن هذه السياسات تُسهم في حماية الأمن الداخلي وتعزيز فرص العمل للمواطنين، إلا أنها أثارت انتقادات واسعة من منظمات حقوق الإنسان، التي ترى أن هذه الإجراءات تؤدي إلى تفاقم أزمة اللاجئين وتسيء إلى صورة الولايات المتحدة باعتبارها أرض الحريات. هذا التوجه قد يؤدي إلى تصاعد الاحتجاجات في الداخل الأميركي، خاصةً مع تصاعد النقاش حول حقوق الأقليات والمساواة في ظل الانقسامات العرقية التي تُلقي بظلالها على المجتمع.

على الساحة الدولية، تعني إعادة انتخاب ترامب أن الولايات المتحدة ستواصل نهجها الأقل التزامًا في التحالفات الدولية والمؤسسات العالمية. خلال ولايته الأولى، قام ترامب بسحب الولايات المتحدة من عدد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، بما في ذلك اتفاقية باريس للمناخ والاتفاق النووي مع إيران. ومن المتوقع أن يستمر هذا التوجه في ولايته الثانية، مما قد يُضعف العلاقات الأميركية مع الحلفاء التقليديين، وخاصة في أوروبا، الذين أعربوا عن قلقهم من تراجع القيادة الأميركية في القضايا العالمية الرئيسية. هذا النهج "الانفرادي” للولايات المتحدة قد يؤدي إلى إضعاف المؤسسات الدولية التي تعتمد على التعاون المشترك لحل القضايا العالمية مثل التغير المناخي وانتشار الأوبئة.


وفي الشرق الأوسط، يُثير انتخاب ترامب مجددًا قلق العديد من الدول العربية حول مستقبل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. فمن المتوقع أن يستمر ترامب في دعم إسرائيل بقوة، كما فعل في ولايته الأولى عندما اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها، مما أثار استياء الدول العربية والإسلامية، إن استمراره في هذا التوجه سيُضعف بلا شك الجهود الدولية لحل الدولتين ويزيد من تعقيد الأوضاع في المنطقة، إذ إن سياسات ترامب قد تُحفز على مزيد من التوترات الإقليمية وتقوي من مواقف الفصائل المعارضة للسلام. من جانب آخر، فإن ترامب يهدف إلى تعزيز العلاقات مع دول الخليج، وخاصة السعودية والإمارات، لتحقيق مصالح اقتصادية مشتركة تتعلق بالاستثمار والطاقة، وهو ما قد يؤدي إلى تغييرات جذرية في سياسات الشرق الأوسط المستقبلية.


وبالنسبة للعلاقات مع إيران، يُنتظر أن يتبنى ترامب موقفًا أكثر تشددًا، مستمرًا في سياسة "الضغط الأقصى” التي فرضت عقوبات اقتصادية قاسية على طهران. هذا التوجه قد يؤدي إلى زيادة التوترات في المنطقة، خاصة إذا قررت إيران تعزيز أنشطتها النووية كرد فعل على هذه الضغوط، مما يُدخل المنطقة في دوامة من التصعيد الخطير. هذه السياسة قد تؤثر سلبًا على استقرار الشرق الأوسط وتزيد من احتمال نشوب صراعات عسكرية تُهدد أمن المنطقة وتؤثر على الاقتصاد العالمي، وخاصة فيما يتعلق بإمدادات النفط.

لا يمكن إغفال أن انتخاب ترامب يعني عودة سياسات حمائية، مما قد يعزز الانقسامات داخل المجتمع الأميركي. فسياساته الاقتصادية التي تُركز على "أميركا أولاً” قد تواجه مقاومة شديدة من بعض الولايات الأميركية التي تعتمد اقتصاداتها على التجارة الدولية والاستثمار الأجنبي. كما أن سياساته المتعلقة بالحقوق المدنية والهجرة قد تؤدي إلى تصاعد الاحتجاجات، حيث يشعر كثير من الأميركيين أن هذه السياسات لا تمثلهم وأنها تعزز الفجوة الاجتماعية والعرقية داخل البلاد. يُعد هذا التحدي الداخلي عاملًا حاسمًا في قدرة ترامب على تحقيق استقرار حقيقي واستعادة الثقة لدى جميع شرائح المجتمع الأميركي.


بإيجاز، يُمثل إعادة انتخاب ترامب انعكاسًا لرغبة شريحة كبيرة من الأميركيين في العودة إلى سياسات تعزز الاقتصاد الوطني وتقلل من التدخلات الخارجية، ولكن هذا الاتجاه يحمل في طياته تحديات جسيمة على المستوى الداخلي والدولي.

 

وبينما سيُرحب البعض بهذه العودة، قد يعتبرها آخرون تهديدًا للاستقرار العالمي والقيم التي طالما دافعت عنها الولايات المتحدة.