#عاجل..ماذا تتوقع كوريا الشمالية في مقابل إرسال قوات لمحاربة أوكرانيا؟

تحقق روسيا مكاسب واضحة من انضمام الجنود الكوريين الشماليين إلى حربها في أوكرانيا، بينما تسعى كوريا الشمالية إلى الحصول على مساعدات غذائية وعلى دعم مالي وتقني، خصوصاً في مجالات الأسلحة النووية والصواريخ، من خلال تعزيز تحالفها مع موسكو.

يحقق فلاديمير بوتين من انضمام آلاف الجنود الكوريين الشماليين إلى حرب روسيا التي يطول أمدها في أوكرانيا مكاسب واضحة، لكن الدافع وراء إرسال كيم جونغ أون جنوداً شباناً وعديمي الخبرة إلى معركة ستدخل شتاءها الثالث هذا العام أقل وضوحاً.

الجنود الكوريون الشماليون الذين يتدربون على القتال في أكبر نزاع تشهده أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية يجعلون الأطراف المعنية تراقب ما يجري لمعرفة ما إذا كان مقيضاً لما يسمى بـ"تحالف الدم" المبرم بين موسكو وبيونغ يانغ أن يصبح أحد أكثر المشاريع المربحة التي سعت إليها يوماً من الأيام كوريا الشمالية، البلاد المنعزلة.

يتدرب آلاف من الجنود الكوريين الشماليين بالفعل في روسيا لقتال الجيش الأوكراني إلى جانب قوات الرئيس الروسي، في حين يعزز النظامان الخاضعان إلى أشد العقوبات، اللذان يعانيان العزلة الأكبر، صداقتهما إلى مستوى غير مسبوق.

تؤكد كوريا الجنوبية والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وجود ما لا يقل عن 10 آلاف جندي كوري شمالي على الأراضي الروسية، ويتجمع معظمهم في مقاطعة كورسك الروسية قرب حدود أوكرانيا، إذ تفرض كييف في ساحات الوغى بعضاً من أصعب المعارك الميدانية على قوات السيد بوتين.

وتؤكد وكالة الاستخبارات الكورية الجنوبية، التي دقت ناقوس الخطر في شأن نشر القوات، وجود ما لا يقل عن 12 ألف جندي كوري شمالي من بينهم جنرالات ومسؤولون كبار في روسيا الآن، وتفيد الاستخبارات الأميركية بأنهم قد يبدأون بالقتال "في غضون أيام".

هذه المرة ستكون الأولى التي تشارك فيها كوريا الشمالية في نزاع دولي، وهي التي تملك واحداً من أكبر الجيوش في العالم يتألف من 1.2 مليون جندي.

لم تخض كوريا الشمالية حرباً منذ عام 1953 عندما انتهت الحرب الكورية بهدنة، لكنها تستعد لحرب مع كوريا الجنوبية.

إنها لخطوة غير مسبوقة أن تحشد بلاد معزولة مثل كوريا الشمالية جنوداً في نزاع بعيد يدور في المقلب الآخر من العالم بعد عقود من حماية البلاد عن كثب من الأخبار الأجنبية وحتى تقييد تنقل الناس بين مقاطعة وأخرى داخل البلاد. سيكون جنودها في منطقة لا يألفونها، وسيتعاملون مع أسلحة جديدة وزملاء يتحدثون لغة أجنبية.

ما الذي يخطط لتحصيله زعيم البلاد الفقيرة هذه؟ الغذاء والنقود والتعاون النووي والفضائي، وفق خبراء.

لكن هذه مزايا أكثر مباشرة ويمكن توقعها، إذ قال محللون إن المسألة الأكثر أهمية تدور حول ما يهدف السيد كيم إلى الحصول عليه من هذه العلاقة في الأجل البعيد – في تصعيد خطر يمكن أن تترتب عليه عواقب بعيدة الأجل على آسيا الشمالية الشرقية.

أفادت وكالة التجسس الكورية الجنوبية الشهر الماضي بأن روسيا قد تدفع ما لا يقل عن ألفي دولار شهرياً لكل جندي كوري شمالي مشارك في القتال، فتسدد ما مجموعه 20 مليون دولار شهرياً لـ10 آلاف جندي.

ومن المرجح أن تذهب نسبة كبيرة من عوائد هؤلاء الجنود، وصولاً إلى 95 في المئة منها، مباشرة إلى خزائن السيد كيم، في حين يوزع المتبقي على الجنود، بحسب لي وونغ جيل، العضو السابق في واحدة من أكبر وحدات فيلق العاصفة الكوري الشمالي.

وهذا يعني أن الجندي سينتهي به الأمر إلى كسب ما يتراوح بين ألف و200 دولار في سنة وألفين و400 دولار في سنتين – وهو عرض مربح بما فيه الكفاية لعدد من الشباب الراغبين في التطوع في الجولات الحربية الروسية المحفوفة بالأخطار، وفق جنود سابقين.

وواجهت كوريا الشمالية أيضاً نقصاً حاداً في الغذاء في العقود الأخيرة من الزمن، وذلك منذ أن أودت مجاعة خانقة بحياة ما يقدر بمئات الآلاف من الأشخاص في منتصف تسعينيات القرن الـ20. وكثيراً ما تتفاقم المجاعة بسبب الكوارث الطبيعية، بما في ذلك الفيضانات الموسمية. وقال عدد كبير من المنشقين إنهم لم يتلقوا قط حصصاً غذائية حكومية حين كانوا لا يزالون مقيمين في كوريا الشمالية.

وقال عضو لجنة الاستخبارات البرلمانية الكورية الجنوبية وي سونغ لاك، لصحيفة "كوريا هيرالد"، إن إنتاج كوريا الشمالية من الحبوب لا يلبي حاجاتها، وإن روسيا، إذا قدمت ما بين 600 ألف و700 ألف طن من الرز، ستغطي أكثر من نصف العجز السنوي.

وقالت راشيل مينيونغ لي، وهي زميلة بارزة في برنامجي كوريا و38 نورث اللذين يديرهما مركز ستيمسون، لصحيفة "اندبندنت" إن إرسال كوريا الشمالية قوات إلى روسيا يمثل مستوى من الالتزام يختلف عن تصدير الأسلحة، مما يعني أن "نفوذ كيم على بوتين يزداد".

وأضافت: "هذا يعني أن نقل روسيا تكنولوجيا عسكرية حساسة إلى كوريا الشمالية يصبح أكثر احتمالاً من ذي قبل، سيمثل ذلك إضافة إلى الأموال التي نعتقد بأن كوريا الشمالية تكسبها من خلال إرسال جنود إلى روسيا، إضافة إلى الإمدادات الغذائية والنفطية التي يقال إنها تتلقاها من روسيا بالفعل".

لكن من المرجح أن يحتل المال أولوية متدنية في ذهن السيد كيم، إذ يشير خبراء إلى أن الزعيم الكوري الشمالي مهتم أكثر بالحصول على التكنولوجيا الأحدث لصالح برامج بلاده الفضائية والنووية ومزيد من القوة النارية ليهدد كوريا الجنوبية، عدو بلاده الأول.

قال وزير الدفاع الكوري الجنوبي كيم يونغ هيون خلال زيارته البنتاغون في الـ30 من أكتوبر (تشرين الأول): "من المرجح جداً أن تطلب كوريا الشمالية نقل التكنولوجيا في مجالات متنوعة، بما في ذلك التكنولوجيات المتعلقة بالأسلحة النووية التكتيكية ضمن مساعيها إلى تطوير صواريخ بالستية عابرة للقارات، وكذلك تلك المتعلقة بالأقمار الاصطناعية المخصصة للاستطلاع، وتلك المتعلقة بالغواصات الحاملة للصواريخ البالستية كذلك".

قد تكون المساعدة التقنية الروسية مفيدة لمختلف القدرات الصاروخية التي لا تزال كوريا الشمالية تعمل على تطويرها، بما في ذلك موثوقية الإطلاق، وحمل حمولات مناسبة، وضرب الأهداف بدقة، على حد تعبير ليف إريك إيسلي، الأستاذ في جامعة إيهوا الواقعة في سيول في مقابلة أجرتها معه صحيفة "اندبندنت".

وقال: "إن الأرواح الأوكرانية والأراضي الأوكرانية والمواقف التفاوضية الأوكرانية معرضة إلى خطر كبير، لأن كوريا الشمالية توفر إمدادات مستمرة من الذخيرة لقوات بوتين، بينما تكثف روسيا الإنتاج الصناعي العسكري بواردات ذات استخدام مزدوج من الصين".

ووافقه هذا الرأي إدوارد هاول المحلل الكوري في "تشاتام هاوس" قائلاً "إن أكثر ما يريده كيم جونغ أون هو تكنولوجيا الصواريخ المتقدمة"، بوصفها مقابلاً سريعاً لنشر القوات.

وقال في ندوة عبر الإنترنت: "نعلم أن كوريا الشمالية تريد تحسين قدراتها في تكنولوجيا الأقمار الاصطناعية وقدرات الأسلحة التقليدية وأنظمة إطلاق الصواريخ"، مضيفاً أن كوريا الشمالية يمكن أن تحصل أيضاً على مساعدات غذائية ودعم مالي.

وللبلدين تاريخ طويل من التعاون العسكري يعود للحقبة السوفياتية عندما دعم الاتحاد السوفياتي تأسيس كوريا الشمالية كدولة شيوعية عام 1948.

وساعد الاتحاد السوفياتي بيونغ يانغ فور تأسيس الدولة في بناء منشآتها للبحوث النووية في يونغبيون في ستينيات القرن الـ20، وما لبثت المنشأة أن أصبحت جزءاً رئيساً من تجارب البلاد النووية الست منذ عام 2006.

وقد يشبه هذا التبادل شراكة روسيا الحالية مع إيران، إذ تزود موسكو طهران بالتكنولوجيا النووية في مقابل أسلحة ودعم عسكري للحرب في أوكرانيا، وفق بيان صدر عن البيت الأبيض في سبتمبر (أيلول).

وقالت السيدة لي: "يجب ألا ننسى أن دعم روسيا في الحرب يشكل فرصة لكوريا الشمالية لتنشيط صناعتها الدفاعية".

وتضيف أن الآثار السلبية الإضافية المترتبة على نقل التكنولوجيا العسكرية المتقدمة الروسية إلى كوريا الشمالية ستشمل مواصلة بيونغ يانغ تطوير قدراتها على صعيد أسلحة الدمار الشامل.

وتقول: "يمنح القتال إلى جانب قوة كبرى مثل روسيا كوريا الشمالية ’هيبة‘ دولية، وربما حتى شيئاً مثل الشرعية لتسمية نفسها شريكاً مساوياً في الجهد المشترك الذي تبذله روسيا وأصدقاء روسيا المقربين بغرض إنشاء نظام عالمي بديل".

وتضيف: "يمنح هذا ’المجال الدبلوماسي‘ بدوره كوريا الشمالية مزيداً من المرونة والخيارات في التعامل مع الولايات المتحدة، أي أنه سيرتب تداعيات على أية مفاوضات نووية مستقبلية".

وقال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته إن أكثر من 600 ألف جندي روسي إما قتلوا أو أصيبوا في الحرب، ومن المقرر أن يخفف تجنيد الجنود الكوريين الشماليين خارج حدود بلادهم الضغط على موسكو لتجنيد مزيد من مواطنيها الشباب.

والسيد كيم مستعد للتضحية ببعض جنوده في المعركة الروسية، لأن الخطوط الأمامية الشاسعة في أوكرانيا يمكن أن تصبح أرضاً لتعلم الحرب الحديثة، وتقول لي إن دعم السيد بوتين للسيد كيم يمكن أن يشجع "ميله إلى المغامرات العسكرية".

هذا هو أحد الأسباب التي جعلت كوريا الجنوبية تأخذ زمام المبادرة في إثارة إلحاح المسألة، وحتى النظر في مد أوكرانيا بمساعدات استخبارية وعسكرية.

يقول آن تشان إيل، وهو ملازم أول سابق في الجيش الكوري الشمالي: "يقوم كيم جونغ أون بمقامرة كبيرة، إذا لم تقع هناك أعداد كبيرة من الضحايا، سيحصل على ما يريد إلى حد ما، لكن الأمور ستتغير كثيراً إذا قتل عديد من جنوده في المعركة".