هل تصمد الرواية الرقمية أمام تحديات القراءة؟
يعد الأدب التفاعلي مجالاً جديداً من حيث الوسيط الرقمي المستحدث لنقله إلى المتلقي، والذي يجعل منه على نحو ملموس شريكاً فيه عبر السمة المميزة لذلك الوسيط، أي التفاعل مع النص وكاتبه، في ظل قفزات تقنية يحبس تتابعها المتلاحق الأنفاس. وبما أنه مجال جديد تماماً خصوصاً على الثقافة العربية، فإنه يتطلب تتبعاً نقدياً بأدوات وثيقة الصلة بوسيطه الرقمي. ومن هنا تكمن أهمية كتاب "المتلقي في الرواية الرقمية التفاعلية" للباحث المصري محمد حسانين إمام الضلع.
يضم كتاب "المتلقي في الرواية الرقمية التفاعلية" (بيت الحكمة) دراسة تعرض لمراحل تطور النص الأدبي وإنتاجه عند الغرب والعرب في الأدب الرقمي عامة، وفي الرواية الرقمية خاصة عند العرب. ويأتي هذا الكتاب في سياق اهتمام مطرد بما يسمى الأدب الرقمي، عربياً، تمثل في صدور كتب ومؤلفات في هذا الشأن ومنح درجات علمية جامعية، ومن أمثلة ذلك كتاب نبيل علي "العرب وعصر المعلومات" الصادر في تسعينيات القرن الماضي، وكتابا حسام الخطيب "آفاق الإبداع ومرجعيته في عصر المعلوماتية"، و"الأدب والتكنولوجيا وجسر النص المتفرع"، وكتاب أحمد فضل شبلول "أدباء الإنترنت أدباء المستقبل"، وكتاب سعيد يقطين "من النص إلى النص المترابط"، وكتاب سعيد الوكيل "من النص الرقمي إلى نص الحداثة الرقمية". ويحاول الكتاب الذي نعرض له هنا كشف أوجه الاختلاف والتشابه للرواية التفاعلية بوسيطيها الورقي والرقمي، وإبراز دور المتلقي بما يشارك به من إضافات أو اقتراحات أو تعليقات، ويرصد أنماط التفاعل الواقعي الافتراضي بين المبدع والمتلقي مع إبراز القيمة الجمالية والفنية لأنماط التفاعلية الافتراضية الواقعية.
ويذهب الباحث إلى أن واقعية الرواية الافتراضية الرقمية التفاعلية تأتي من تفاعل المتلقي مع النص الإبداعي والمبدع، بصورة واقعية حقيقية عبر حضوره ومتابعته للنص على الشبكة العنكبوتية، وهي افتراضية لكون الوسيط افتراضياً غير محسوس، ورقمية لأن وسيطها الحاسوب الذي يتميز بلغته اللوغاريتمية المشفرة في أرقام، وتفاعلية لتوافر الوسائط المتعددة والروابط المتشعبة.
نظري وتطبيقي
ويلاحظ الضلع أن مصطلح الأدب الإلكتروني انتشر في الساحة الثقافية والإعلامية الفرنسية ما بين 1980 و1990، وترجع تسميته إلى طبيعة الوسيط الحاسوبي الذي يستخدم نظام العد الثنائي "01" في البرمجة وإبداع النصوص الرقمية. وبحسب الباحث فإن هذا الأدب يؤثر في المتلقي شعورياً ويؤثر المتلقي فيه بالتفاعل والتعليق أو الإضافة أو المشاركة.
وبدأ ظهور الرواية الرقمية التفاعلية في صورة ناضجة مكتملة الأركان عام 1986 في رواية "الظهيرة" لميشيل جويس الذي استخدم فيها البرنامج الذي وضعه مع ديفيد جي بولتر عام 1984، وسمياه "المسرد". أما أول رواية عربية رقمية تفاعلية فظهرت عام 2001 وهي رواية "ظلال الواحد" لمحمد سناجلة. وظهر أول نمط للرواية الرقمية التفاعلية الفيسبوكية العربية عام 2013 على يد المغربي عبدالواحد إستيتو متمثلاً في رواية "على بعد مليمتر واحد". وكان ظهورها العربي الأول على "تويتر" عبر رواية السعودي طارق الدغيم "دوشيش" التي بدأ نشرها عام 2020. وترجع أهمية هذه الدراسة إلى جدة موضوعها ويتناول جانبها التطبيقي روايتين، الأولى تنتمي إلى حقل الخيال العلمي وعنوانها "في حضرتهم" للمغربي عبدالواحد إستيتو والسودانية آن الصافي. والثانية واقعية وعنوانها "الزنزانة رقم 06" للجزائري حمزة قريرة ونشرت عام 2018. وخلال ذلك يرصد الباحث أنماط التفاعل بين المبدع والمتلقي، ويبرز القيمة الجمالية والفنية لأنماط التفاعلية الافتراضية الواقعية في حضور الوسائط المتعددة والروابط المتشعبة. واعتمد الباحث في دراسته منهجين أساسيين من مناهج النقد الأدبي وهما المنهج البنيوي والمنهج الفني الجمالي. فالأول أفاد منه في استخراج التيمات السردية الرئيسة والفرعية مع إماطة اللثام عن الوظائف السردية لتلك التيمات بنوعيها. وأفاد من الثاني في الكشف عن جمالية السمات التفاعلية وتفاعلية المتلقي. واتكأ الباحث في الجانب التنظيري على كتاب "الورقي والرقمي، الواقعية الافتراضية في الرواية العربية" لمحمد هندي، والصادر عن دائرة الثقافة في الشارقة عام 2020.