#عاجل...هل يخطط أكبر سينمائي في العالم لمواصلة الإبداع؟

لا يتوانى المخرج السينمائي الأميركي فورد كوبولا عن التذكير بزميله البرتغالي الراحل مانويل دي أوليفيرا قبل سنوات قليلة عن أكثر من 100 سنة لم تردعه عن مواصلة وقوفه وراء الكاميرا حتى أيامه الأخيرة.

لا يمكن لأحد أن ينكر على المخرج السينمائي الأميركي فرانسيس فورد كوبولا أنه يعد اليوم وقد أربى على الثمانين من عمره، واحداً من نصف دزينة من سينمائيين يتقاسمون معاً لقب "أعظم سينمائي حي في العالم".

وهو على أية حال لقب يترتب عليه أن يكون حامله لا يزال قادراً على تحقيق مزيد من أفلام تضاف إلى ذخيرته وتجعله منذ ما يقارب نصف القرن غائصاً في فن السينما خلال زمن ندر أن تمكن سابقون عليه من تحقيق الاستمرار فيه، وربما ينبغي علينا أن نضيف هنا أن كوبولا هو بالتأكيد الأعظم بين نصف الدزينة من مبدعي الفن السابع التي أشرنا إليها.

فمع تراث يتضمن "العراب" بأجزائه الثلاثة و"يوم الحشر الآن" و"محادثة سرية" وسواها من تحف تعد علامات مميزة في تاريخ السينما الأميركية، بل العالمية، لا شك في أن كوبولا قد دخل سجل الخلود في تاريخ الإبداع. وهو سجل لا يضم سوى عدد يسير من سينمائيين ربما يكون منهم رفاق كوبولا المباشرين من أمثال سكورسيزي وسبيلبرغ ودي بالما من بين آخرين.

ولعل كثراً يرون أن وصول كوبولا إلى هذا المجد بات كافياً لأكثر من حياة واحدة فحان من ثم أوان التقاعد عند القمة، لا سيما أن كوبولا وغيره ممن عرفوا بـ"أصحاب اللحى" هم الذين ثوروا السينما وغيروا هوليوود وذهنياتها منذ أواسط السبعينيات.

لا نهاية لحياة المبدع

لكن صاحب الشأن نفسه لا يرى هذا الرأي. فهو مصر ليس فقط على البقاء والعمل على رغم وطأة الظروف المتنوعة، بل مصر أيضاً على التخطيط لمشاريع مقبلة لا يتردد في أن يخبرك حين تسأله، بأنها كانت تشكل أحلام شبابه وها هو الزمن يتيح له اليوم تحقيقها.

والأدهى من ذلك أن هذا السينمائي الكبير والمتفرد لا يردعه عن مواصلة طريق الإبداع رادع ولا حتى استنكاف المهرجانات الكبرى بما فيها تلك التي كان في الماضي قد أسهم في المكانة والمجد اللذين وصلت إليهما، لا يستنكف عن عرض أفلامه في مسابقات أو من خلال تكريم ما خارج إطارات التباري، وربما يحدث له أن يقبل طواعية بأن تعرض أفلام صغيرة جديدة له في تظاهرات ثانوية في بعض المهرجانات كما في مهرجان "كان" الذي عرض له فيلمين صغيرين في دورات سابقة أسوة بسينمائيين من المخرجين الجدد من دون أن يجد هو نفسه ضيراً في ذلك.

وهذا بالتحديد ما كان من شأن فيلميه "تيترو" و"شباب بلا شباب"، اللذين قد يجوز اعتبارهما من أكثر أفلامه ذاتية على أية حال. ولكن في الدورة الأخيرة من المهرجان نفسه وعبر فيلمه الكبير الجديد "ميغالوبوليس" تبدلت الأوضاع جراء ضخامة الفيلم. وهي ضخامة تبدأ مع العنوان بالطبع، لكنها تنطبق على موضوعه وأكثر من هذا على كونه يشكل كما أشرنا واحداً من أحلام شباب كوبولا، وهو ما انتظر نحو ثلث قرن قبل أن يحققه بأمواله الخاصة التي باع كروم العنب والعقارات التي جمعها طوال حياته حتى يؤمن الـ130 مليوناً من الدولارات التي احتاج إليها إنتاج الفيلم، إذ رفضت الاستوديوهات الكبرى إنتاجه.

خطوة على طريق مجد متواصل

المهم حقق المخرج الكبير إذاً حلماً سينمائياً كان يحمله منذ زمن طويل امتلأت الصحافة الأوروبية بالضجيج الإعلامي من حوله. واللافت في الأمر أن معظم ما كتب عنه للمناسبة، سواء حبذ فيلمه الجديد أو هاجمه، دار حول فكرة تفترض أن كوبولا سيهدأ من بعد "ميغالوبوليس" ولن يعود للوقوف وراء الكاميرا ليس فقط بسبب السن، بل كذلك لأن السينما نفسها كما يتصورها هذا الفنان الكبير لم تعد موجودة.

ولكن لا، بل لا كبيرة قالها كوبولا وراح يكررها واعداً قبل أي شيء آخر بأنه ينتهز أول فرصة قريبة كي يعود وراء الكاميرا من جديد، ولسان حاله يقول إن أمامه بالتأكيد مشاريع مؤكدة سيستغرق إنجازها 20 سنة أخرى. وهو في هذا السياق لا يتوانى عن التذكير بزميله البرتغالي الراحل مانويل دي أوليفيرا قبل سنوات قليلة عن أكثر من 100 سنة لم تردعه عن مواصلة وقوفه وراء الكاميرا حتى أيامه الأخيرة.

 إلى هذا، وعلى رغم أن النتائج المالية لـ"ميغالوبوليس" لم تظهر بعد، وأن ما ظهر منها لا يبدو مشجعاً، قال كوبولا إنه بصدد التفكير بجزء ثان من الفيلم نفسه! ولكن هنا أيضاً أكد كوبولا أنه مستعد لكل أنواع السينمات بمقادير كبيرة من التجديدات "ولكن كل شيء إلا التلفزيون".

وأضاف، وكانت هذه الإضافة حين سئل عن رأيه في ما قاله المخرج الهوليوودي جيمس كراب من أنه يعتقد أن فيلم "العراب" ذا الأجزاء الثلاثة لو أنه يحقق اليوم سيكون مسلسلاً للتلفزيون "مستحيل، أولاً لأني أنا نفسي لم أخلق لأكون مخرجاً للتلفزيون، بخاصة لأن أسلوبي في العمل، بل في العيش حتى، لا ينسجم مع أساليب العمل التلفزيوني. ولعل من الضروري أن أكشف هنا أنني أنا نفسي وقبل عقود كنت أريد أن أشتغل على جزء رابع للعراب، لكني سرعان ما وجدت أن من الحماقة مواصلتي العمل على الفيلم نفسه مرة رابعة ثم خامسة وهكذا"، وتابع "بدا الأمر لي وكأن طريقة تحول صناعة السينما إلى ما يشبه صناعة زجاجات الكولا حيث في الحالتين لا تتبدل الوصفة. أما في السينما التي نصنعها فإن الأجزاء الثلاثة هي الحد الأقصى الذي يمكننا أن ننجز الأمر عنده حتى ولو أن الأمور تبقى غير مضمونة كما الحال مع الحلقات المتتابعة، التي لها جمهورها وهو غير جمهوري على أية حال. بالنسبة إليَّ يجب أن يحمل ما أنتجه كل ضروب الخطر والمحافظة. فالفن الحقيقي لا يولد إلا من الخطر والمجازفة".

وهنا إذ يصمت كوبولا خلال استطراداته يختم هذه الجزئية من حديثه قائلاً "سأكشف لكم هنا سراً آخر. حين توصلنا إلى ماريو بوزو، صاحب رواية (العراب) الأصلية التي كان قد اقتبس منها الجزءان الأولان من الثلاثية، وأنا إلى الاتفاق مع بارامون منتجها لتحقيق الجزء الثالث، تعمدنا أن نضع للفيلم الجديد عنواناً حاسماً هو (موت مايكل كورليوني)، لكن الاستوديو رفض ذلك كلياً، فقد كان يريد أن يطيل في عمر ذلك العراب الوريث لمجرد أن ليس ثمة في السياق ما يفيد بأن وريثاً له هو الآخر (ما يعني أن الجوهر العائلي الذي بني عليه العمل سيختفي بموت مايكل)".

يتابع، الحقيقي أن الاستوديو قد كشف عبر ذلك الموقف أنه إنما يريد أن يواصل إنتاج أجزاء أخرى تالية، وربما متتالية حتى العثور على حل أو حلول تحول السلسلة إلى ساغا عائلية، ومن هنا وجدتني مرغماً على الاستجابة لرفض العنوان وفي ركابه الفكرة (الخبيثة) التي توخينا أنا وبوزو قطع الطريق على رغبات الاستوديو. وربما عليَّ أن أحمد الرب هنا على ما يشبه الفشل التجاري الذي انتهى إليه، حينها في الأقل، ذلك الجزء الثالث من الثلاثية، إذ لولا ذلك الفشل لكان من الساغا أن تتواصل إلى أمد غير منظور".