عدنان نصار: الأمير الحسن.. شركاء في الإنسانية.. وفقدان القانون الدولي يعني جبروت صناعة الكراهية؟
عدنان نصار
إنشغلت الأوساط السياسية والعامة الأردنية قبل أيام بمقال قديم جديد لولي العهد الأردني الأسبق الأمير الحسن بن طلال المعنون ب” إصلاح النظام الدولي : نحو نموذج إنساني جديد”، اعاد ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله نشره عبر منصاته التابعة له ..، فما هي الدلالات وماهي الأبعاد لإعادة نشر مقال يحمل اهمية خاصة عند أمير يعد من أبرز المفكرين والمثقفين العرب والدوليين .؟
ولعل الإنشغال الشعبي النخبوي والعام بالمقال وأبعاد إعادة نشره ، جاء في توقيت متوائم ومتسق مع ضرورة تلبية النداءات المتكررة لضمير العالم ، بضرورة الخروج من دائرة الحرب والدخول عمليا في مربعات السلام العادل والإنساني الذي تتطلع إليه شعوب المنطقة والعالم ، بعد سلسلة من سلوكيات الحرب والكراهية والعدوان على مدى سنوات طويلة ، لم ينعم بها العالم العربي او الدولي بسلام عادل وشامل بمعناه الحقيقي .
مقال الأمير الحسن ، الذي خبر السياسة بعمق فريد منذ توليه ولاية العهد بالمملكة الأردنية الثالثة في إبريل من عام 1965 وحتى العام 1999 قبل ايام من وفاة شقيقه الملك الراحل الحسين بن طلال الذي نقل ولاية العهد الى الملك عبدالله الثاني..،لم يكن مقال الأمير إعتياديا او يستند الى الرفاهية ، بل كان يدخل في قلب السياسة الدولية ، ويستمد تحليلها العميق من تجربة سياسية في ولاية العهد ، ومعرفة الأمير الحسن بخبايا الأمور الدولية الصغيرة والكبيرة ، والقادر على تحديد بوصلة الفكر السياسي سواء في الرخاء أو في الحروب ، مما يعني ذلك أخذ افكار الأمير على محمل الجد في كل مرة يطرح فيها افكاره ورؤيته ، المتسقة والمتناغمة مع متطلبات ليس المجتمع العربي فحسب ، بل المجتمع الدولي بكل أطيافه .
السياسيون ؛ على إختلاف مواقعهم عربيا او دوليا يتفقون على ان الدخول في تفاصيل السياسة وفهمها العميق ، هي براعة لا يملكها اي سياسي او زعيم ، ولعل براعة الأمير الحسن المعروف عنه أردنيا وعربيا ودوليا ب”الأمير المفكر” جاءت بعد تجارب مريرة في السياسة العربية والدولية منذ العام 1965 ، ووضعته في مفاصل تاريخية متعددة امام مسؤولياته كأمير وولي للعهد في حينه ، ان الحكمة والصبر والسعي الى إستئصال بذار الكراهية وإستبدالها بالمحبة والسلام ، كانت من ضمن أولويات الأمير الذي ايضا عرف عنه شغفه بمعرفة أدق التفاصيل الصغيرة والكبيرة تاريخيا وجغرافيا وسياسيا ، الأمر الذي جعل الأمير في الصف الأول في اندية السياسة العالمية .
ومناداة الأمير الحسن بالعدالة الانسانية ، هي ايضا وليدة تجربة سياسية صعبة مرت فيها الأمة العربية ، وهو ما دفع بالأمير المفكر ان يطلق العنان لأفكاره عبر منصات دولية ، ونستحضر هنا ما كتبه الامير في أحد اشهر مقالاته :”إننا بفقداننا منطق القوانين الدولية الإنسانية ، سنستسلم أفرادا وجماعات لجبروت صناعة الكراهية "..!!
هذا الإستحضار ، لمقولة الأمير ، نعيشه راهنا بكل تفاصيل بعد ان فقد القانون الدولي فاعليته ، في أعقاب العدوان على أهلتا في غزة منذ عام ، وعدوان مماثل على لبنان الشقيق ، دون ان يحرك القانون الدولي أو يتحرك لوقف العدوان على غزة ولبنان ..، وربما هذه المقولة للأمير التي قيلت في العام 2010 لم تكن من باب التنبوأ ، بقدر ما كانت معرفة حقيقية لوجهة دول حددت مسارها السياسي ، ولقوانين دولية تم مناشدة مؤسساتها لحراك تنفبذي لقوانيها ،لكن دون جدوى..
الكل يدرك إن "إسرائيل” هي من تمثل جبروت صناعة الكراهية ، وهي التي تمثل الرفض المدعوم من دول كبرى لتنفيذ القوانين الدولية ، وعمليا يعد هذا نوع من التواطؤ والمساندة لإسرائيل التي تخالف كل القيم الإنسانية والدولية بعدوانها على غزة ولبنان ..وهذا بطبيعة الحال ما أشار اليه الأمير صاحب الرؤيا الإستراتيجية بالتفكير عندما قال قبل نحو 14 عاما :”لقد تعلمنا من خلال خبرتنا عبر العقود الماضية أن إسرائيل عندما تواجه ضغطا دبلوماسيا يكون ملجأها الوحيد هو إستخدام السلاح” ..وبقراءة متأنية للمشهد السياسي الحالي ، نجد ان الكيان الصهيوني قد لجأ فعليا الى السلاح والقتل والتدمير في غزة ولبنان ،بعد الضغوط الديبلوماسية التي طالبت بضرورة تنفيذ حل الدولتين ، وهو الامر الذي رفضه ساسة الإحتلال بشكل فيه من الفجاجة والوقاحة والعنجهية ما يفوق فدرتها على الإستمرار في مواجهة إرادة التحرر والتحرير سواء في غزة او مدن الضفة الغربية أو لبنان .
الكيان الصهيوني بارع في صناعة الكراهية ، ويتغذى عليها مثل الطحالب والبكتيريا ، ويعمل الكيان مثل خفافيش الظلام في سعيه الدائم لزرع بذار الكراهية واللجوء الى لغة الدم والنار كلما وجد نفسه في دائرة ضيقة ومنبوذ .
إنشغال الوسط الشعبي الأردني بإعادة نشر مقالة الأمير الحسن ، على صفحات ال هو تعبير حقيقي عن إيمان الشعب الأردني كجزء من الشعب العربي الرافض للهيمنة الاسرائيلية وعدوانها ، والرافض أيضا لصمت مؤسسات القانون الدولي وأذرعها العاجزة عن تنفيذ اي قرار لوقف نمردة العدو الصهيوني المجرم .
كاتب وصحفي أردني..