الأردن والعلاقات الإقليمية المعقدة.. إستراتيجية الصمود في بيئة متوترة

كتب- ليث القهيوي 

يواجه الأردن تحديات داخلية وخارجية معقدة، ناجمة عن توازنات إقليمية حساسة وضغوط اقتصادية محلية من ناحية الداخل و يعاني من أزمات اقتصادية حادة تمثلت في معدلات البطالة المرتفعة والفقر المتزايد، بالإضافة إلى الأعباء التي تفرضها الكثافة السكانية الناجمة عن تدفق اللاجئين السوريين والفلسطينيين. هذه الأزمة تُعقّدها حالة عدم الرضا الشعبي عن الحكومة، حيث أعرب العديد من الأردنيين عن عدم الثقة في النظام الاقتصادي، ويشعرون بأن الحكومة لا تمثل مصالحهم، مما يزيد من احتمالات الاضطرابات الاجتماعية.

من ناحية أخرى، يمتلك الأردن موقعًا جيوسياسيًا حساسًا جعله جزءًا أساسيًا من ديناميكيات المنطقة ويتمتع بحدود مشتركة مع فلسطين المحتله وسورية والعراق والسعودية، وهذا يجعله في مركز الأحداث الإقليمية المتغيرة باستمرار والأردن يسعى للحفاظ على استقراره وسط التوترات الإقليمية المتزايدة، خاصة بين إسرائيل وإيران.


تتفاقم الأزمات الاقتصادية في الأردن بسبب عوامل متعددة، منها الاعتماد الكبير على المساعدات الخارجية، والتباطؤ في النمو الاقتصادي، وارتفاع معدلات الدين العام، كما أن معدلات البطالة تصل إلى أكثر من 20 %، مما يزيد من التوتر الاجتماعي ويهدد استقرار البلاد والأزمات الاقتصادية تنعكس بشكل مباشر على ثقة المواطنين في الحكومة، حيث يعتقد الكثيرون أن الفساد متفشٍ وأن الإصلاحات الاقتصادية غير كافية لمعالجة المشاكل الهيكلية في الاقتصاد.

إن الحكومة الأردنية قدّمت بعض الحلول لتحفيز الاقتصاد، مثل خطط الإصلاحات الاقتصادية التي تعتمد على جذب الاستثمار الأجنبي وتحفيز قطاع السياحة، إلا أن هذه الخطوات لم تؤتِ ثمارها بشكل كامل. والتحديات الكبرى التي يواجهها الأردن تكمن في إدارة عبء اللاجئين، وتوفير فرص العمل للشباب، وتقليل الاعتماد على المساعدات الخارجية.


أما على الصعيد الدبلوماسي، يسعى الأردن جاهدًا للحفاظ على دوره المحوري في القضايا الإقليمية والدولية. فلعبت المملكة دورًا كبيرًا في الوساطة بين إسرائيل والفلسطينيين، كما نظّمت مؤتمرات دولية لدعم القضية الفلسطينية وتقديم المساعدات الإنسانية لغزة.


 الأردن يستضيف ملايين اللاجئين الفلسطينيين والسوريين، ويعتبر هذه القضية جزءًا من مسؤولياته الإنسانية والدولية، إلا أن تداعياتها تضغط على الاقتصاد والبنية التحتية.


والأردن يحاول موازنة علاقاته مع الولايات المتحدة من جهة، ومع دول المنطقة كالسعودية وإيران من جهة أخرى، هذا التوازن الحساس يفرض على الأردن اتخاذ مواقف دبلوماسية مدروسة بدقة، تجنّبًا لأي تصعيد قد يؤثر على استقراره الداخلي.


تُعد منطقة الشرق الأوسط واحدة من أكثر المناطق اضطرابًا في العالم، خاصة مع تصاعد النزاعات المسلحة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، بالإضافة إلى التوترات المستمرة بين إيران وإسرائيل وهذا الصراع الإقليمي يؤثر بشكل مباشر على الأردن، حيث إنه مرتبط بالأوضاع في الضفة الغربية وقطاع غزة، ويعتبر استقرار هذه المنطقة أمرًا حيويًا لأمن المملكة.

الاستراتيجيات الإيرانية تستمر في تعقيد المشهد من خلال دعمها لحركات المقاومة مثل حزب الله، مما يزيد من احتمالية وقوع الأردن في مرمى نيران هذه الصراعات، في المقابل، الأردن يلتزم بسياسة الحياد النشط، حيث يسعى لحماية مصالحه الوطنية دون التورط في الصراعات الإقليمية.


والانتخابات الأميركية المقبلة تشكل عاملًا مؤثرًا على مستقبل السياسة في الشرق الأوسط ، فالإدارة الأميركية الحالية تدعم إسرائيل بشكل غير مشروط، وقد أثرت هذه السياسات على ديناميكيات المنطقة بشكل كبير، إذا تغيرت الإدارة بعد الانتخابات، قد نشهد تحولًا في السياسة الخارجية الأميركية تجاه الشرق الأوسط، مما قد يفتح الباب أمام فرص جديدة للمفاوضات، اما في حالة استمر الدعم الأميركي لإسرائيل على نفس الوتيرة، فقد يؤدي ذلك إلى مزيد من التصعيد في المنطقة، خصوصًا فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي.


إن السيناريوهات المستقبلية للمنطقة تعتمد بشكل كبير على كيفية تعامل الأطراف الدولية والإقليمية مع الأزمات الحالية، في ظل استمرار النزاع في غزة، والتوترات بين إسرائيل وإيران. يبدو أن المنطقة تتجه نحو مزيد من التصعيد إذا لم يتم التوصل إلى حلول سياسية ودبلوماسية.


إذا استمرت الولايات المتحدة في دعمها المطلق لإسرائيل، دون محاولة التوسط لحل النزاع، فقد نشهد مزيدًا من العنف وعدم الاستقرار في المنطقة، بالمقابل، إذا تم التوصل إلى تسوية سياسية شاملة، قد يؤدي ذلك إلى استقرار نسبي وتحقيق بعض التحسن في الأوضاع الأمنية.

في النهاية، يبقى مستقبل المنطقة مفتوحًا على جميع الاحتمالات، ويعتمد بشكل كبير على كيفية إدارة الأطراف المعنية للتوترات الراهنة، ومدى استعدادها للتوصل إلى حلول طويلة الأمد.