كتب - عدنان نصار
منذ بدء وعينا ، تعلمنا في المدارس والغرف الصفية المتواضعة معنى القيم ، ومكانة الوطن في القمم ..،تعلمنا كيف نقف في طابور الصباح الباكر لنؤدي تحية العلم ؛ وكيف نقف إجلالا للمعلم الذي كاد ان يكون رسولا ..تعلمنا أن الوطن بيتنا ، وهو الذي يسكن فينا ، قبل أن نسكن فيه ..تعلمنا أبجد هوز ، وكيف نضغط على الزناد ان داهم الخطر الوطن .
في آواخر الستينيات وحتى نهاية السبعينيات ، كان أساتذتنا يرافقوننا الى دور السينما كدرس ثقافي وطني نتعلم من فيلم "الأرض” للراحل محمود المليجي "غلاوة” الوطن ..، وكان فيلم "الكرنك” أول دروسنا السياسية ..، وعند الحديث عن البطولات كان أساتذتنا يستحضرون عمر المختار ، وعز الدين القسام ، وجميلة بوحيرد ، وأحمد بن بيلا ..وكانوا يستحضرون معركة الكرامة بكل أبطالها وقادتها ..وقتها كان أبي ،وآباء آقراني رحمهم الله يعلموننا الدروس في الصبر على الفقر ، فيما كانت إمهاتنا رحمهن الله يمسدن على جبيننا إن داهمنا التعب ، ويقرئن (الفلق) اذا ساورنا في منامنا القلق ..وقتها كان للفقر هيبة ، وللجوع هيبة ، وللصبر هيبة ..وكان الدرس الأول حب الوطن ..لقد برعنا كجيل ينتم الى معسكر الثقافة الملتزمة ، والوطنية المقدامة ، وأجتزنا بإمتياز الإختبار ونجحنا بتفوق في محبة الوطن..
براعة الفقراء، تتخطى حاجز المألوف في فنون الصبر، ورغم كل الجراحات والأوجاع تبقى هذه الفئة العريضة ممسكة بثوابت الإنتماء.. إنتماء عميق للأرض والهوية والوطن، وإنتماء للفكر الملكي الهاشمي، كإداة سياسية جامعة، وحاضنة لكل ألوان الطيف المجتمعي ، كنظام سياسي متسامح بفكر يحمل السمو ..
مشكلتنا كدولة أردنية تتأتى من الحكومات ، ومن المسؤولين ممن ينسحب عليهم "رفيع المستوى”.. تلك حالة يبدو انها مستعصية على الحل ، رغم سهولة الحل ..ومستعصية على إستكمال المنجز رغم إمتلاك الأدوات، غير ان مفهوم الإدارة يبدو انه له رؤية مختلفة عما يدور في فلك العوام، بالطبع أقصد وزراء ونواب ومن هم في هذا المضمار من المسؤولية..فعلى سبيل المثال ؛ ثمة مساحة اجتماعية واسعة من الفقر بشقيه "العادي والمدقع” وهذه شكلت احد أبرز مشكلات الدولة الأردنية، يلازمها بنفس الخط والمستوى مشكلة البطالة ..ربع قرن وربما أكثر لم تفلح الحكومات بعلاج ولو جزء بسيط من هاتين المشكلتين رغم إمتلاك الأدوات وفي مقدمة هذه الأدوات الإستثمار وتنشيطه الذي بحتاج ايضا الى مراجعة شاملة لتنشيطه وفي مقدمتها تقليص الضرائب وجذب رؤوس الأموال الأردنية والعربية والأجنبية للإستثمار في مملكة آمنة ..وفي هذا نحتاج ايضا الى حزمة تشريعات لحماية المستثمرين ، ونبتعد عن القرارات الراجلة والمرتجلة كما فعلت حكومة بشر الخصاونة قبل رحيلها بيوم واحد وما تلا ذلك من قرار رفع الضريبة على السيارات الكهربائية والسجائر الألكترونية والتبغ العادي بشقبه "الجيد والرديء”.!
لا تحتاج حكومة د.جعفر حسان الى 100 يوم لإختبارها، بل عليها الذهاب الى العمل مباشرة ووضعها على المحك ، وخصوصا ان غالبية وزراء حكومة د.حسان لديهم خبرات سابقة تتراوح بين متوسطة وجيدة، وثمة وزراء لا يمتلكون المعرفة ولا الخبرة، وبالتالي من الممكن وصفهم بوزراء "الحمولات الزائدة”.. ما تحتاجه حكومة د.حسان هو فتح الأدراج في المكاتب وفتح ملفات قديمة جديدة لم يتحقق منها أي شيء، ومن بينها ملف التخطيط والخطط الإستراتيجية ومعالجة الفقر وتنشيط السياحة بكل فروعها، والعمل على إستنهاض فكرة التشغيل والمشاريع الصغيرة كبديل للمعونات النقدية لأسر قادرة على الإنتاج اذا توفرت لها البيئة المناسبة ورأس مال تحت المراقبة والمتابعة وتفعيل خطوات النجاح لهم.
الفقراء وما اكثرهم في وطني يملكون فائض من الإنتماء ، وفائض من الصبر ،ويتطلعون الى وطن يربت على اكتافهم ويأخذ بيدهم الى الحلم المشترك ، حلم : النهوض لفقراء اصابعهم على الزناد ان تعرض الوطن لأي خطر في زمن معمعة الحرب والعدوان ..، اما جمع من الذين أغناهم الوطن من خيراته ، والفاقدين لقدسية القيم ، فهم في كل خطر قد يداهم الوطن يتزاحمون على عتبات المطارات ، لكأن لسان حالهم يقول : (فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون) .!!
كاتب وصحفي اردني..