د. ليث عبدالله القهيوي: الخطاب الملكي.. رؤية لحل أزمة الشرق الأوسط

جاء خطاب الملك عبدالله الثاني في الجمعية العامة للأمم المتحدة ليعبر عن رؤية إستراتيجية واضحة إزاء الأوضاع المتفجرة في الشرق الأوسط، مسلطاً الضوء على التحديات الأمنية والسياسية التي تواجه المنطقة ودور المجتمع الدولي في التعامل معها. يمكن تلخيص هذه الإستراتيجية في ثلاثة محاور رئيسة: التأكيد على المبادئ الدولية، توجيه اللوم للأطراف المسؤولة، والدعوة إلى عمل جماعي عالمي.

فاستهل الملك خطابه بالتأكيد على أهمية مبادئ الأمم المتحدة في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، وانتقد بشدة ازدواجية المعايير في تطبيق القانون الدولي وحقوق الإنسان، حيث أشار إلى أن هناك شعوباً تُعامل على أنها فوق القانون، ما يهدد بانهيار الثقة العالمية في المؤسسات الدولية، هذه الرسالة كانت موجهة للمجتمع الدولي للضغط من أجل الالتزام بمبادئ العدالة والمساواة للجميع.

 

وأشار إلى أن هذه الأزمة تتجاوز كونها مجرد نزاع محلي، بل هي اختبار لمصداقية الأمم المتحدة كهيئة تمثل القيم الإنسانية العالمية. وعليه، فإن فشل الأمم المتحدة في تحقيق العدالة يعد تهديداً لأمن وسلامة النظام الدولي بأكمله.


وركز بشكل واضح على الوضع في فلسطين، خاصة بعد الأحداث الأخيرة في غزة والضفة الغربية و انتقد بشدة ممارسات الحكومة الإسرائيلية، مشيراً إلى أن الاعتداءات على المدنيين الفلسطينيين، والتي أسفرت عن سقوط آلاف الضحايا، لا يمكن تبريرها بأي شكل من الأشكال. كما أدان الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة للوضع القانوني والتاريخي في القدس الشريف، معتبراً أن هذه الممارسات تزيد من حدة التوتر وتؤجج مشاعر الغضب في المنطقة.


هذه النقطة في الخطاب كانت تهدف إلى تحميل الحكومة الإسرائيلية مسؤولية التصعيد المستمر، مع الدعوة إلى مساءلة دولية حقيقية لهذه الانتهاكات، الملك استخدم لغة حازمة ومباشرة، ما يعكس رغبة الأردن في عدم الوقوف مكتوف الأيدي أمام هذه التجاوزات.


وأحد أهم محاور خطاب الملك كان الدعوة إلى عمل جماعي دولي لوقف التصعيد وحماية الشعب الفلسطيني. فطالب المجتمع الدولي بضرورة إنشاء بوابة دولية للمساعدات الإنسانية إلى غزة، في خطوة تهدف إلى توفير الحماية الفورية للمدنيين المحاصرين. كما حذر من تداعيات التهجير القسري للفلسطينيين على أمن واستقرار المنطقة، مؤكداً أن الأردن لن يقبل أبداً بأن يكون بديلاً للوطن الفلسطيني وأكد عليها بشكل واضح وصريح وجازم.


هذه الدعوة تأتي في إطار رؤية الأردن لدوره كوسيط للسلام والاستقرار في المنطقة، الملك ركز على ضرورة التعاون الدولي لمواجهة التحديات المشتركة، مشيراً إلى أن الاستمرار في التصعيد سيؤدي إلى مزيد من الكوارث الإنسانية وسيزيد من تعقيد الأوضاع السياسية في المنطقة.


اما الوضع في الشرق الأوسط معقد ومتفجر بسبب تراكمات سياسية وتاريخية طويلة و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي هو أحد أبرز الأزمات التي تسهم في تأجيج الأوضاع، حيث أدى فشل المجتمع الدولي في فرض حل عادل ومستدام إلى تفاقم الأوضاع ، بجانب ذلك، يتصاعد التوتر في لبنان، ويستمر الصراع في سورية واليمن، ما يخلق بيئة إقليمية غير مستقرة.


الملك عبدالله الثاني في خطابه لم يكتفِ بانتقاد السياسات الدولية فحسب، بل قدم رؤية إستراتيجية للتعامل مع الأزمة من خلال تفعيل دور الأمم المتحدة واستعادة ثقة الشعوب بمبادئ العدالة الدولية، الحلول الجزئية لم تعد كافية، والملك كان واضحاً في أن الاستمرار في تجاهل الحقوق الفلسطينية سيقود المنطقة إلى مستقبل أكثر عنفاً واضطراباً.


جاء خطاب الملك عبدالله الثاني ليعكس رؤية الأردن لمستقبل أكثر عدالة واستقراراً في الشرق الأوسط، رؤية ترتكز على مبادئ القانون الدولي وحقوق الإنسان، وتدعو إلى عمل جماعي عالمي لمواجهة التحديات الراهنة. من خلال هذا الخطاب، يسعى الملك إلى حشد الدعم الدولي لتحقيق سلام عادل ودائم في المنطقة، وهو الهدف الذي يتطلب شجاعة سياسية من قادة العالم لإعادة الثقة إلى النظام الدولي.