كيف سيتعامل أبو صعيليك مع تداعيات نظام الموارد البشرية الجديد.؟!
ربما تكون المدرسة القادم منها الوزير خير أبو صعيليك، النائب الأسبق والمدير لعدد من الشركات، مختلفة إلى حد ما، وقد لا تتواءم في كثير من مفاصلها مع منهجية وفلسفة الإدارة العامة في الدولة وتحديداً في القطاع العام، وربنا زاد الأمر تعقيداً نظام إدارة الموارد البشرية في القطاع العام النافذ منذ ثلاثة أشهر، والذي احتدم حوله جدل كبير، ومعظمه ناقد للنظام.!
الوزير أبو صعيليك هو وزير دولة لتطوير القطاع العام، وسيكون أمامه تحدٍّ كبير في طريقة تعامله مع نظام إدارة الموارد البشرية في القطاع العام رقم (33) لسنة 2024 الذي أصبح نافذاً من 1 - 7 - 2024، وهو أحد مخرجات الحكومة السابقة، وجاء متعارضاً في كثير من مواده مع رؤية التحدث الاقتصادي، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة. ومن النتائج المتوقّعة لهذا النظام أنه سيؤدي إلى تراجع القطاع العام وإعادته عقوداً إلى الوراء، ناهيك عن آثاره وتداعياته الاجتماعية والاقتصادية الضارّة بمختلف الأطراف، ومنها:
أولاً: تأثُّر الخدمة العامة التي يقدمها الموظف العام للمواطن بسبب الوضع غير الآمِن وغير المستقر الذي وضعه فيه هذا النظام.
ثانياً: تدنّي كفاءة القطاع العام، بسبب الانشغال بشكليات الهيكلة والتنظيم والخطط والتقييم وحالة عدم الرضا الوظيفي، مما يُضعِف دور القطاع العام كمحفّز ومُيسّر للقطاع الخاص ويُضعِف دوره وفاعليته.
ثالثاً: حالة من البلبلة والقلق في أوساط الموظفين على المستقبل والاستقرار الوظيفي.
رابعاً: ضعف انتماء الموظف العام لمؤسسته ولوظيفته بسبب غياب المعايير الموضوعية العادلة والشفّافة المبنية على مبدأ الثواب والعقاب ومبدأ تكافؤ الفرص.
خامساً: انتشار أمراض المحسوبية والواسطة والمزاجية في مختلف الإجراءات والعمليات المتعلقة بالموظف العام بدءاً من إجراءات ما قبل التعيين مروراً بالتعيين ثم التجربة ثم التقييم وانتهاءً بتجديد عقد الوظيفة أو إنهائه.
سادساً: المزاجية في الإحالة على التقاعد المبكر بعشرات الآلاف بسبب إعطاء الصلاحية للمرجع المختص بالتعيين بإنهاء خدمة الموظف إذا استكمل شروط التقاعد المبكر دون طلبه. ولذلك أقترح أن تعيد الحكومة النظر بالمادة (100/أ/2) من نظام إدارة الموارد البشرية في القطاع العام التي تنص على:
(يجوز للمرجع المختص بالتعيين إنهاء خدمة الموظف الخاضع لقانون الضمان الاجتماعي بناءً على طلبه أو دون طلبه إذا استكمل شروط الحصول على التقاعد المبكر).
بحيث يُصار إلى وضع ضوابط وشروط دقيقة جداً في النظام نفسه لضبط موضوع إنهاء خدمات الموظف العام المستكمل لشروط التقاعد المبكر في حال كان قرار إنهاء خدمته دون طلبه، بحيث تُقيَّد السلطة التقديرية للمرجع المختص وصاحب الصلاحية بإنهاء خدمة الموظف بأكبر قدر من الضوابط، الكفيلة بالحد من اتخاذ قرارات تمييزية أو خاضعة للمزاجية، وكذلك أن تكون الغاية صون حقوق الموظف العام وتمكينه من العيش الكريم عبر تقاعد كريم.
وأقترح أن تكون شروط وضوابط إنهاء خدمة الموظف دون طلبه في حال كان مستكملاً لشروط التقاعد المبكر على النحو التالي:
١) انطباق أحد سيناريوهات التقاعد المبكر عليه وفقاً لأحكام قانون الضمان الاجتماعي وذلك كقاعدة عامة.
٢) تحديد أسباب موضوعية لإنهاء خدمة الموظف المستكمل لشروط التقاعد المبكر دون طلبه استناداً إلى مبادىء العدالة، والمساواة، والشفافية، ونتائج تقييم الأداء، وتكافؤ الفرص.
٣) أن لا يقل عُمر الموظف عن (55) عاماً وعمر الموظفة عن (50) عاماً.
٤) أن لا تقل خدمة الموظف في القطاع العام المشمولة بالضمان عن (30) عاماً وأن لا تقل خدمة الموظفة عن (27) عاماً.
٥) أن يستند قرار إنهاء خدمة الموظف العامل في مهنة خطرة وفقاً لتصنيف المهن الخطرة بالضمان إلى قرار من مرجع طبي معتمَد من الحكومة ومؤسسة الضمان ومختص في الطب المهني، وأن لا تقل خدمة الموظف عن (21) عاماً وخدمة الموظفة عن ( 18 ) عاماً، إلإ في الحالات التي تستدعي أقل من ذلك صحيّاً، شريطة أن تتحمل الخزينة نسبة الخصم المقررة وفقاً لقانون الضمان من الراتب التقاعدي الأساسي للموظف المُحال.
وهذه الشروط والضوابط ستُمكّن من ضبط التقاعدات المبكرة في القطاع العام وقصرها على الضروري فقط، وسيمكّن الموظفين المُكرَهين على التقاعد المبكر من الحصول على رواتب تقاعدية مناسبة، كما ستقلل هذه الضوابط من جنوح المراجع المختصة بالتعيين إلى إنهاء خدمة الموظف لأسباب غير موضوعية. ومن جهة أخرى مهمة سيؤدي ضبط التقاعدات القسرية المبكرة إلى الحد من الإضرار بالمركز المالي للضمان.
سابعاً: خسارة آلاف الموظفين الحاصلين على إجازات بدون راتب لوظائفهم وأعمالهم خارج المملكة وعودتهم إلى القطاع العام. بسبب تقييد الإجازة دون راتب وقصرها على أربعة أشهر في السنة ولمدة لا تزيد على سنة واحدة طيلة مدة خدمة الموظف.
ثامناً: تراجع حجم الحوالات المالية للمغتربين الأردنيين بسبب عودة الكثير من الموظفين المجازين دون راتب إلى البلاد والتحاقهم بوظائفهم خشية أن يفقدوها.
تاسعاً: الإضرار بمنطومة الحماية الاجتماعية في الدولة، بسبب سهولة إجراءات وأسباب إنهاء خدمات الموظف. ما سيؤدي إلى مزيد من الفقر وغياب مظلة الحماية عن هؤلاء الموظفين.
عاشراً: إضعاف المركز المالي لمؤسسة الضمان الاجتماعي بسبب آلاف التقاعدات المبكرة الإجبارية لموظفي القطاع العام. ما سيؤدي بعد بضع سنوات إلى حدوث عجز مالي في صندوق القطاع العام لدى مؤسسة الضمان. وقد بدأت مؤشرات ذلك بالظهور.
حادي عشر: إذكاء الصراعات والحساسيات والدسائس والضغائن بين موظفي القطاع العام لأربعة أسباب رئيسة؛ الأول ربط مقدار الزيادة السنوية بالتقييم، والثاني التعيين تحت التجربة لمدة ثلاثة أشهر، والثالث العقود محددة المدة وإنهاؤها أو تجديدها، والرابع أسلوب وطريقة الترقية لوظيفة شاغرة.
ثاني عشر: تشجيع الشللية الوظيفية فكل فئة وظيفية ستسعى إلى نيل ثقة رئيسها المباشر وكسب رضاه لارتباط ذلك بالتقييم والمكاسب المادية والمعنوية.
ثالث عشر: إثارة مشكلات كبيرة وإلحاق الظلم بسبب ضبابية "الاستغناء" عن خدمة الموظف الحاصل على تقدير يكتنفه الكثير من الضبابية والاجتهادية؛ (عدم القدرة على إنجاز المهام).!
رابع عشر: تحصين المجموعة الأولى من الفئة العليا للموظفين من إنهاء خدماتهم عند إكمال سن الستين للموظف وسن الخامسة والخمسين للموظفة، إذ تم استثناؤهم من ذلك كل من أعضاء هذه الفئة يتقاضى راتب الوزير.
خامس عشر: عدم استقرار القطاع العام بسبب تذبذب النظم والهياكل التنظيمية والإدارية لمؤسساته نظراً لارتباطها بالخطط الاستراتيجية المبنية على الاجتهاد وربما مزاجية المسؤول مما يفقد معه الموظف العام البوصلة، وتتأثر خدمة المواطن ومُتلقّي الخدمة بشكل عام.
سادس عشر: ضياع فرصة الغالبية العظمى من المتقدمين لهيئة الخدمة والإدارة العامة (ديوان الخدمة المدنية سابقاً) لإشغال وظائف عامة، حيث سيتم التعيين من مخزون الخدمة المدنية بنسب بسيطة جداً خلال السنوات 2024, 2025، 2026 فقط. وسيُلغَى المخزون بعد ذلك.
سابع عشر: حرمان الموظف من إمكانية التعليم والحصول على درجة علمية جديدة من خلال الدراسة المتفرغة داخل أو خارج المملكة بسبب تقييد الإجازة بدون راتب وعدم النص على الإجازة الدراسية. وكذلك حرمان الزوج/الزوجة من مرافقة الآخر في حال كان أحدهما يعمل أو يدرس أو معاراً خارج المملكة، وهذا سيخلق مشكلات اجتماعية عديدة ومعقّدة.
ثامن عشر: سهولة التخلص من الموظفين في حال هيكلة بعض الدوائر أو دمجها أو إلغائها، حيث يشكّل رئيس الوزراء لجنة وزارية تُمنَح صلاحيات إحالة الموظف على التقاعد أو الاستيداع، وإنهاء خدمة الموظف الخاضع للضمان، وتسريح الموظف في حال تعذّر نقله إلى جهة أخرى.
تاسع عشر: مصادرة حق دستوري للموظف العام في التظاهر أو الاعتصام أو الكتابة الناقدة بما لا يُلحِق الضرر بالأشخاص أو المؤسسات.
عشرون: ارتفاع منسوب تضارب المصالح بسبب فتح نافذة العمل خارج أوقات الدوام الرسمي لموظفي المجموعة الثانية من الفئة العليا. بينما كان يجب الاقتصار بالسماح بالعمل
للموظف العام العمل باستثناء موظفي الفئة العليا بمجموعتيها الأولى والثانية.
واحد وعشرون: تهديد استقرار وحق الموظف خلال فترة التجربة، إذ تنص المادة (25) من النظام على:
( يكون الموظف المعيّن في القطاع العام تحت التجربة لمدة لا تزيد على ثلاثة أشهر ويجوز إنهاء خدماته خلال تلك المدة دون بيان الأسباب).
وهذا النص تعسّفي ويتعارض مع مبادىء العدالة والاستحقاق وتكافؤ الفرص والشفافية التي تحدث عنها النظام كمرتكزات ومبادىء لقطاع عام تنافسي قادر على تحقيق الرؤى والأولويات الوطنية، فما الذي يمنع أن يقوم المرجع المختص بالتعيين الذي أنهى خدمات الموظف خلال مدة التجربة من تبرير قراره وإبداء أسباب إنهاء خدمة الموظف خلال مدة التجربة. هذا أولاً، وثانياً؛ لماذا يتم إنهاء خدمات الموظف خلال مدة التجربة وليس في آخرها أو عند انتهائها، لا سيما وأن مدة التجربة قصيرة جداً، ويُفترَض أن تكون خاضعة لتقييم أداء الموظف تقييماً دقيقاً وأميناً، كما إن الموظف خلالها يكون خاضعاً لأحكام قانون الضمان الاجتماعي، علماً بأنه تم مع الأسف إلغاء المادة (63) من نظام الخدمة المدنية التي كانت تُخضع الموظف العام لمدة سنتين تحت التجربة من تاريخ مباشرته العمل، بحيث يتم تجديد عقده أو إنهاء خدمته في ضوء نتائج تقييم أدائه بعد انتهاء مدة التجربة، كما أجازت إنهاء خدمته خلال مراحل التقييم في ضوء نتائج تقييم أدائه. لذا كان يُفترَض أن يتم النص بأن تكون فترة التجربة خاضعة للتقييم الدقيق والأمين لأداء الموظف المُعيَّن لا سيما وأن هذه الفترة تم تقليصها من سنتين كما في المادة الملغاة المشار إليها من نظام الخدمة المدنية لتصبح ثلاثة أشهر كما في نظام إدارة الموارد البشرية الجديد. كما أن إنهاء خدمات الموظف خلال فترة التجربة القصيرة المذكورة دون بيان الأسباب يتعارض مع السياسة العامة لمنظومة الموارد البشرية في القطاع العام التي استندت، كما تشير المادة (4) من النظام، إلى مجموعة مبادىء ومرتكزات من ضمنها اختيار الكفاءات وفق مبادىء الاستحقاق والجدارة والتنافسية والشفافية وتكافؤ الفرص، وهو ما يقتضي أن يتم تسبيب القرار المتّخذ بحق الموظف تحت التجربة سواء بتثبيته أو إنهاء خدماته.! وإذا كان صاحب القرار أو المرجع المختص بالتعيين وإنهاء الخدمات واثقاً من كفاءته وعدالته ونزاهته فلماذا يخشى من بيان أسباب قراره بالتثبيت أو الإنهاء ولماذا نعفيه من ذلك.؟!