ثغرات فازت بالانتخابات

ثغرات فازت بالانتخابات.
كتب -خلف القرعان 
لا أعرف حقًا ما الذي يجري، لكن يبدو أن العملية قد فشلت بالنسبة لأبناء الفكر المالي وأصحاب الكلام الجاف الذين لا يصغون. وعلى الجانب الآخر، كانت جبهة العمل الإسلامي، الأكثر نشاطًا، خصوصًا فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، قد تمكنت من خوض الانتخابات وإعادة الحياة إلى المشهد الحزبي بنتائج واضحة، وكانهم  يقولون   "نحن لا نتوقف مهما كانت الظروف". 

ما حدث هو فشل لبعض الأحزاب الأردنية، رغم أن الأموال التي أنفقوها تفوق بكثير ما أنفقته جبهة العمل الإسلامي. تساءلت حينها: ما الذي يحدث في الشارع الأردني؟ ولماذا يميل الناس نحو التيار الإسلامي؟ كما قال أحد النواب السابقين، كانت الانتخابات نزيهة إلى حد ما.

اليوم، نظرت من بعيد وقلت للشعب الأردني: القادم ليس جميلاً كما تتوقعون. وأضفت في سري: "حسبي الله ونعم الوكيل". لقد خسرنا، رغم نزاهة ونجاح العملية الانتخابية. ورغم أنني مؤيد للفكرة، إلا أن الأحزاب، إذا أرادت المشاركة بقوة في المرات القادمة، عليها اتخاذ خطوات أكثر جدية.

**أولاً:** وضع برنامج واضح، بعيدًا عن الشعارات الرنانة والتكرار الممل. يجب أن يكون هناك برنامج حقيقي يستهدف بقوة إعادة المشهد السياسي إلى مساره الصحيح، ويجب أن يلبي احتياجات الشعب الأردني، خاصة الطبقتين المتوسطة والفقيرة، اللتين تشكلان الغالبية العظمى من المقترعين في السنوات الماضية.

**ثانيًا:** يجب الابتعاد عن التركيز على الشخصيات فقط. لأن الاعتماد على الشخصيات هو الذي جعل أحزابكم تتراجع في المعركة الانتخابية. الفكرة هي الأساس، وعليكم الترويج لها باستمرار خلال السنوات الأربع القادمة، وإظهار رؤية واضحة لمستقبل الأردن إذا كان بين أيديكم. لا تركزوا على إظهار الألقاب والشخصيات البارزة فقط، بل اجعلوا الفكرة هي المحور.

**ثالثًا:** يجب بناء تنظيم حقيقي داخل الأحزاب، والثبات والوقوف بثقة دون الخوف من المنافسة السياسية. لابد من تحفيز الحركة الشعبية، لأن الاعتماد فقط على الدولة في العالم السياسي الحديث هو غباء. اليوم، لا تستطيع أي دولة التدخل في شؤون الانتخابات، لذا لا تقل "أنا"، بل اجعل الحزب يقول "نحن". وهذا هو المفتاح الأهم. ابتعدوا عن البذلات الرسمية وركزوا على جذب طلاب الجامعات وأصحاب الخبرات المتنوعة. عندها، قد تكون النتيجة مختلفة.

رابعا :  المهم أيضًا أن يدرك الحزب  أن التغيرات السياسية والاجتماعية في الأردن ليست مرتبطة فقط بالانتخابات، بل هي جزء من مشهد أكبر يتضمن تحولات في الوعي الشعبي. الشارع الأردني لم يعد كما كان، فهناك وعي متزايد بالقضايا الاقتصادية والاجتماعية التي تؤثر مباشرة على حياة الناس. وهذا الوعي هو الذي دفع الكثيرين للتوجه نحو التيار الإسلامي، حيث يرونه ممثلاً لقيمهم وهمومهم الحقيقية رغما بأنهم لا يستطيعون، وتذكروا كلامي . 

ولكن الثغرة التي تميزت في هذه  الانتخابات بأن هناك شعورًا عامًا بالإحباط من الأداء السياسي لبعض الأحزاب التقليدية، التي لم تستطع تقديم حلول ملموسة للمشكلات المتفاقمة مثل البطالة والفقر وغلاء المعيشة. 
الأحزاب التي ترغب في الاستمرار والمشاركة الفعالة في المستقبل يجب أن تتعامل بجدية مع هذه التحديات، وتقدم برامج عملية ومدروسة تتماشى مع تطلعات الشارع الأردني.

في الختام، يتعين على الأحزاب أن تعي أن الساحة السياسية في الأردن ليست ساحة للمنافسة الشخصية أو التسويق للوجوه القديمة، بل هي ميدان للعمل الحقيقي الذي يخدم الوطن والمواطن. التحديات القادمة كبيرة، ولا يمكن تجاوزها إلا من خلال برنامج سياسي قوي، وقيادة حقيقية تستمع إلى الناس وتعمل على تلبية احتياجاتهم. الأردن بحاجة إلى أحزاب تقدم حلولاً عملية وتعمل على توحيد الصفوف من أجل مستقبل أفضل.