د. ماجد الخواجا : الجامعات في مواجهة تحديات حضارية وثقافية وتقنية

دخل العالم مع مطلع الألفية الثالثة أطواراً جديدة من تحولات في المشهد الاجتماعي والقيمي والاقتصادي والثقافي والإنساني، تحولات كميّة ونوعية نسفت كثيراً من المفاهيم السائدة حتى وصل الحال إلى الخشية من موت التعليم، وموت العمل، الثقافة والفلسفة والفنون والآداب، ناهيك عن وفاة مهن كثيرة واستحداث مهن جديدة تماماً.


ومع تطورات التكنولوجيا الرقمية، ظهرت علاقات سياسية واقتصادية واجتماعية تختلف عن سابقتها في الشكل والمضمون.

لم يعهد العالم مثل هذه التحولات في عصوره السابقة سواء من حيث سرعتها ومدى تأثيرها وهضمها، وهذا يعود إلى السرعة الهائلة في التطور التقني الذي أنجز معرفةً في مدةٍ وجيزةٍ أكبر بكثير من المعرفة البشرية لقرونٍ طويلة.

لقد أدت التكنولوجيا والرقمنة والعالم السيبراني جملة ثوراتٍ قلبت السائد رأساً على عقب، لقد أصبحت الحاجة لإعادة تعريف الأخلاق والقيم والسلوكات البشرية ذات الطابع المعولم التي أوجدت ما يدعى بالإنسان أو المواطن العالمي، مواطن ينتمي لنفسه ورغباته، يتشابك مع الجميع في عزلةٍ عن الجميع، يبني علاقات أفقية سريعة التلاشي والتحلل والاستبدال، يبحث عن الحياة السهلة والمردود السريع بصرف النظر عن الوسيلة والآليات لتحقيق ذلك. يعلي من الأنا ولا يلقي بالاً للجموع وما تدعى بالمصلحة العامة، إنسان لديه المرونة الكافية للتعديل والتغيّر في القناعات والممارسات تبعاً للتطورات والمستجدات.

إنه عصر السيبرانية، والذكاء الاصطناعي المتعاظم ووسائل التواصل الاجتماعي فائقة الحداثة، عصر جعل الكل في سباق الفئران الحياتي، يبحثون عن الجبنة السهلة الطريّة وسط ملتويات وانحناءات ومنعطفات مغرية وواعدة عند الوصول بالشيء الكثير.

لقد زادت نسب البطالة مع زيادة عديد الخريجين الحاملين لتخصصاتٍ لم تعد مطلوبة في سوق العمل، وزاد عديد الطلبة على مقاعد الدراسة ممن تم زراعة أن لا مخرج لهم إلا عن طريق الجامعة. كما أن التطور التقني الذي أوصلنا إلى برنامج الشات جيبي تي الواعد والخطر الداهم القادم خاصة للتعليم التقليدي، قد وضع الممارسات الجامعية الأكاديمية والتعليمية على المحك.

لقد أصبح الطالب يعرف ويصل للمعرفة ومصادرها بشكليفوق ويبزّ فيه الأستاذ الجامعي، فلم يعد الأستاذ مصدر المعرفة، ولم تعد التخصصات مصدراً لإيجاد فرصة عمل، ولم يعد لكثيرٍ من قيم المجتمع ما يمكن إقناع الشباب بجدواها ونفعها.

إن الإرهاب في صوره المتطرفة وعبر استغلاله للتقدم والتحوّل الرقمي، أوجد له مساحة يعتدّ بها في الفضاء السيبراني المكتظ بالبشر. كما أن وسائل الاحتيال الرقمي والإبتزاز الإلكتروني زادت من وسائل الترويع والرعب السيبراني.

من هنا يبدو أن للجامعات دورا رئيسا وأولوية واضحة تتعلق في إعادة النظر بأدوار الجامعات الحضارية والتعليمية والثقافية والتقنية في سبيل مواجهة التحديات السيبرانية وتطورات التكنولوجيا الرقمية.