فن الاستغباء

فن الاستغباء 
كتب_فايز الشاقلدي 
أَنْ تَكُونَ شخصًا ذكيًا ولماحًا .. شيء جميل..  لكننا نحتاجُ أحيانًا إلى التنازلِ والتنكر خلفَ قِنـاع اللافَهم.. أو ارتداء ذلك الغباء.. أو تلك الحماقة.. التي تُخرِجنا من واقعَ ما نَحنُ فيه، ليس لأننا أغبياء، أو أننا نُريد أن نكُونَ كذلك حقًا، بل لأن ضريبة ذكائنا قد تُكَلفُنا الكثيرَ والكثير من مَشاهدَ وشَواهد قد تُحطم ما بِداخِلنا وداخِل غيرنا من مَشاعرَ وأحاسيسَ جَميلة حُملت عبر آفاق الحُبِّ إلى من نُحب أشياء كانت أم أشخاص، تَخَطت بِذوقها عَسْعَسَ الروح؛ لِتَتنفس سُمُّو التآلف الفكري والعاطفي الذي بِهما تَتقارب القلوب وتتجاذب 
فَمِنَ الذكاءِ أَنْ تَكُونَ غبياً في بعض المواقف، التي قد تكون كفيلة بإنقاذك من هذا الحطام الذي قد يطال حياتك وحياة من حولك.
 قرأت كتاب "الذكاء العاطفي " حيث يرى الكاتب  أن التظاهر بالغباء وعدم مواجهة المواقف بحزم ضعف في الشخصية، ... (في بعض المواقف )  ونفس الكاتب جعلني أتامل لساعات طويلة فقد يرى الكاتب بعض المواقف سبيلًا لنِفاق وهَدْم لثقة، فيما يرى أخرون منن هم حولي  قمة الذكاء.. أرى.. أن الاستغباء فنّ يجب عليكَ أن تُتقنَ عزفهُ بذكاء.. بِتحديد متى وكيف ومع من تستخدمه؟ وإِلَّا سيكون نشازًا على من لا يُتقن عزفه بِإحكام.
إنَّ التظاهر بالغباء صعب بعض الشيء، ولا أحد يحتمل الشعور بأن هناك من يفوقونه ذكاء، وخاصة وأن النفس البشرية جبلت على حُب الظهور والتباهي، لكن التظاهر بأنك أقل ذكاء بل حتى أقرب للبلاهة يعد سلاح ذو حدين؛ ففي بعض الأحيان يكون التظاهر بالغباء حكمة وحنكة وفى البعض الآخر يكون دهاءً وخبث، فمن يستثمره بشكلٍ إيجابي ينتفع به في كافة ميادين الحياة، ممّا يؤثر إيجاباً على الفرد والمجتمع بشكل عام، بتجاوز كل العقبات والخلافات .. وصولًا إلى راحة البال.
أحيانًا نُجْبَر على الاستغباء أمام المخادعين والذين يُظْهِرونَ لنا الحب ويُخفونَ الكراهية والحقد بداخلهم، نُسايرهم ونُساير ما يسعونَ إليه ليس ضعف منا، بل لأننا نَعلم أنه لا يَحِيقُ المكرُ السَّيِّئُ إِلَّا بأَهلِهِ. فبعض الأحيان تَحدث أمامنا مواقف تُحتم علينا استخدام الغباء رغمَ وضوح الأشياء أمامنا وفهمنا لها إلا أننا نُحاول أن نُخفي ذلك عنهم. يقول الكاتب الألماني كورت توشولسكي "من الذكاء أن تمارس دور الغباء وتُظهر نفسك غبيًا أمام موقف ما وكأنك لا تفقه شيئًا". 
إنَّ مُمارسة فنّ الاستغباء يُبعدنا عن شراك الاستعلاء والتكبر والعُجُب والانبهار بالذات، التي هي من أقبح الخصال البشرية، بل ومن الرذائل التي لا ينبغي للإنسان الاتصاف بها، حيث تجلت هذه الفضيلة وعلا سُموّها وجمالها بالفيلسوف والحكيم اليوناني سقراط حين ذكر تلميذة أفلاطون في كتابه (محاكمة سقراط)، أنه كان يتجوّل في أثينا، وفي شوارعها يستوقف الناس ويحاورهم، لا ليعلمهم أو يلقنهم تأملاته الفلسفية بل ليسألهم، كان يسألهم سؤال الجاهل للعالم، ويتظاهر بنوع من الغباء والبلاهة ويتدرج بأسئلته، سؤال يعقبه سؤال، والناس بطبيعتها تحبّ أن تبدي رأيها في أعظم الأشياء وأحقرها، لكنه بأسئلته يحرّك الكَوامِن في عقل المقابل وينبهه إلى الثغرات في كلامه حتى يدرك بطريقة غير مباشرة سذاجته بنفسه، وهذا ما يسمّيه الفلاسفة "سخرية سقراط".
الذكاء هو أبرز الصفات التي عليك أن تُخفف من ظُهورها في أغلب الأوقات، فتذوق الجمالي للاستغباء يقارب متعة الذكاء نفسه أحيانًا، وخاصة عندما تُظهر للآخرين أنهم أكثر ذكاءً منك وأنت بداخلك تستمتعُ بغبائهمُ الحقيقي، وهذا بلا شَكٍّ يمنع من أن تكونَ يوماً ما فريسة سهله لكلِ من أراد أن يلتهمك أو يُوقع بك، أيضًا سوف يشل ذلك حذرهم اتجاهك، بل إن الاستغباء قد يصنع المعجزات التي لا تصنعه غيره من الصفات.