الرجل رجلان اثنان

كتب ـ رمزي الغزوي 

مثلنا الشعبي الصادم (إن غلي لحمك؛ علّق كلبك) فيه من الدقة والصدق ما يفسر لنا كل هذه القمامة التي بات يدلقها علينا من يسمّون أنفسهم «نجوم السوشال ميديا»، حين تتاح لهم فرصة التطبيق العملي لنجوميتهم الموهومة أو حتى يتسنمون مركزا قياديا .
فالجزار الذي يغدو ممهوراً بالشهرة يمكنه أن يبيع الناس أي نوع لحم ممكن، حتى ولو كان لحم كلاب أو قطط دون أن تتأثر سمعته الشاهقة، أو يرف له جفن ندم. فالناس تبهرها «اللايكات» الكثيرة المثيرة دون أن تتوقف للحظات وترجع البصرة كرّة أو كرتين.
للأسف هذه حالنا مع بعض فقاعات (كي لا أقول نجوم) السوشال ميديا. ففرق كبير بين الشهرة الزائفة والجودة، وبين الفقاعية والنجومية. الفقاعة قد تبهرك للحظة؛ لكنها ستنفجر مسفرة عن خواء خاوٍ. وفرق أكبر بين القدرات الحقيقية والتورم المزعوم.
وهذا كله يشير إلى جواب سؤال يطرح بقوة من فترة: لماذا يفشلون حين يجدّ الجد؟ لماذا يفشل نجم سوشال ميديا حين يعطى موقعا قيادياً، أو حين يحظى بفرصة تمثيل في مسلسل، أو حين تجيئ لحظة الحقيقة وينكشف معدنه الرخيص وثقافته السطحية.
في زمننا المقلوب هذا الرجل رجلان اثنان. رجلٌ على أرض الواقع، والآخر على «المواقع». ففرق شاسع بين من يكونه الواحد في جوهره وبين ما يبثه أو ينشره أو يصوره على مواقع التواصل الاجتماعي. وقلما تجد المسافة صفراً بين الرجلين، أو بين المرأتين.
فكما أن ثمة فرقا بين الكرم، وبين الحديث عنه، وبين الشجاعة واستعراضها والتظاهر بها، وبين التطبيق و»رصف الحكي» وتنميق الصورة. ثمة أناس لا يمكنهم إلا أن يبقوا كؤوساً تملؤها الأباريق، ولا يجدي نفعاً أن تنتظرهم يوما ليصير الواحد منهم إبريقا يدفق ماءه على أحد.
مع الأسف الناس لم تعد تفرّق في كثير من الأحوال بين الشهرة والقدرة على العطاء الحقيقي، مع أن المسافة بين الشيئين كبيرة وبعيدة، ولا تحتاج إلا إلى بعض من التفكير والتساؤل.
نحن في زمن الفقاعات. زمن شهوة الاستعراض وعرض العضلات الهوائية. حتى باتت هذه الشهوة تفوق وتقمع وتقصي كل الجواهر الحقيقية في المجتمع وتغطي عليها، والذي دعم هذا التوجه ومكنه ومتنه هو صانع القرار حين بات لا يلتفت إلا إليهم، دون تكلف عناء البحث عن الأصوات الحقيقية الصادقة الريادية في المجتمع.
كما أن هذا المجتمع نفسه مع الأسف الشديد لا يرغب إلا أن يتصرف قطيعياً وغوغائياً، ويسير في ركب الهوبرة والشوشرة، وعدم تحري الحق والخير والجمال في كل ذلك الغثاء المبثوث.