ظاهرة نبش الحاويات وأماكنها

كتب ـ الدكتور ماجد الخواجا 

قريباً من محطة طارق لمسار الحافلات السريعة، كنت في الحي المجاور للمحطة بالقرب من دوار صغير يطلق عليه أصحاب الحي دوار الحاويات، فهو ربما يكون ويستحق أن يدخل موسوعة جينيس كأول دوار للحاويات، فيما كنت أنتظر عند دوار الحاويات، داهمتني شلية أغنام مع صبيين يرعيانها على الدوار حيث بدأت أكبر عملية نبش لأكياس النفايات في الحاوية بحثاً عن أي شيء يمكن للأغنام أن تأكله، وبدأت الأكياس تلفظ ما بداخلها بهمة الصبيين، وتتناثر محتوياتها على الدوار وأطرافه وخارج الحاويات في مشهد لم يخطر يوماً على بال سلفادور دالي وسريالياته.
حين بحثت عن سبب وضع الحاويات على الدوار، كانت الإجابات تتراوح ما بين عدم وجود أماكن مخصصة للحاويات بجوار المباني، أو عدم قبول أي من السكان وضع الحاويات بجوار مسكنهم، فأصبحت الحاويات يتم ترحيلها ما بين القاطنين حتى وصل الأمر للمشاحنات والمشاجرات، فارتأى المعنيون بأمانة العاصمة وضع الحاويات والبالغة أربع حاويات على الدوار الصغير الذي أصبح بالفعل مكرهة صحية طيلة الوقت.
لا ادري ونحن نقترب من سنة 2025 من الألفية الثالثة، وحيث كنا نتباهى بنظافة عمان مقارنة بعواصم الدول القريبة والبعيدة، كيف تقبل أمانة عمان أن تبقى مثل هذه المشاهد والمكاره الصحية الملوّثة للبيئة وللبصر وللبشر، كيف تقبل أن يصبح دوار في مفترق طرق عبارة عن مساحة ومكب للنفايات.
بالمناسبة فهذه المشاهد يمكن رؤيتها في معظم أحياء مدننا، فقد شاهدتها في إربد والسلط ومأدبا وغيرها، وهي تظهر مدى الحاجة لحلول جذرية تحد من الشكل غير الصحي وغير الحضاري لأماكن تجميع النفايات في الأحياء. هناك بالتأكيد تجارب عالمية يمكن الاستهداء بها ونمذجتها بما يتماشى وطبيعة ثقافتنا وبيئتنا.
أما آن الأوان لكبح ومنع ظاهرة نبش الحاويات بحثاً عن خردوات وعن مستهلكات يتم تجميعها وإعادة تدويرها وبيعها. هناك من أصبح مختصاً بنبش الحاويات، حيث يتم إفراغ الأكياس من محتوياتها في سبيل البحث عن أي شيء يمكن الاستفادة منه، وما أن ينتهي النابش من فعلته مخلفاً وراءه كومة من الأكياس المبعثرة محتوياتها خارج الحاوية بما يكفي لانتشار الأوبئة والتلوث والروائح الكريهة والمنظر القميء الذي يعبّر عن تشوّه في التحضّر والإنسانية.
ألم يحن الأوان لتجريم ولا أقول مخالفة من يقومون بإلقاء مخلفات البناء والحجارة والأتربة على جنبات الطرق الرئيسة والفرعية في صورة مزرية للتعامل مع البيئة والحفاظ على جماليات وأمان الطرق.
نعم كثيرة هي الممارسات رديئة المستوى التي يمارسها البعض تحت مرأى وسمع المعنيين، وأدرك أن القانون قد أفرد عقوبات خاصة لمثل هذه الممارسات، لكن ما زالت أكوام الركام تفقأ العيون على جنبات الطرق.
إن واجب أمانة عمان والبلديات توفير أماكن مخصوصة يتم تجهيزها بصورة حضارية ودون التسبب في أذى للمجاورين لها، بأن توضع الحاويات في مساحات مهيأة لها، لا أن تتقاذفها أيدي المجاورين ليبعدها هذا عن بيته ويقذفها ذاك إلى بيت جاره . ولو قامت الأمانة بتجهيز مواقع الحاويات عند إنشاء الأطاريف والأرصفة، لما وصلنا لمرحلة « دوار الحاويات» .
هي ظواهر مؤلمة ومزعجة ولا مبرر مطلقاً لاستمرارها مهما كانت الذرائع كأن يتنطع أحدهم قائلاً أن نبش الحاويات « فاتح وساتر عائلات» بمعنى أنها أصبحت وسيلة استرزاق، كما هو الحال في البسطات العشوائية التي تكتظ بها جنبات الطرق الرئيسة. كفانا أوجاعاً فوق أوجاعنا .