ما أسهل الانزلاق في الحروب

كتب ـ رمزي الغزوي 

لا أصدق أن قائد قاذفة القنابل الأمريكية «Enola Gay» الكولينيل «بول تيبيتس» قد لطم حقاً وجهه صارخاً بيا الله ماذا فعلنا بالإنسان؟ وهو يرى غيمة الفطر العملاقة تلتهب تحته بعد قذفه بالطفل الوليد على مدينة هيروشيما اليابانية، قبيل نهاية الحرب العالمية الثانية، في مثل هذا اليوم السادس من آب 1945.  
لم تشعر الولايات المتحدة الأمريكية للحظة واحدة بالندم، أو بالألم على ما أقدمت عليه، وهذا ما أفصح عنه رئيسها الأسبق باراك أوباما خلال زيارته لليابان في أواخر أيام رئاسته، بأنه لن يقدم اعتذارا بل من المهم الإقرار بأن على القادة في أوج الحرب اتخاذ كافة أشكال القرارات.
الطفل الوليد هو الاسم الحركي أو الشيفرة السرية لتلك القنبلة التي قتلت أكثر من 140 ألف إنسان في لحظة واحدة. والرجل البدين تسمية ديناميكية للقنبلة الثانية وقد قتلت 74 ألف إنسان، ولربما أنها سميت بهذا تيمنا أو تهكما برئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل المعروف ببدانته، وقد دعمت بلاده مشروع «مانهاتن» الذي دفق كوكبنا الأزرق ببدايات رعب تفاقم سنة إثر سنة.
في آتون سباق التسلح النووي بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة ظهر مفهوم «توازن القوى» ليصف ذلك السلام الهش الآيل للتداعي بين البلدين عند أية لحظة، أو بين البلدان التي ملطت كثيرا من الرجال البدناء والأطفال الوليدين القادرين على فلق كوكبنا بلمحة غضب، أو هبّة غباء. وفي هذه الأيام، وسيما بعد أن شنت روسيا حربها على أوكرانيا، وتحرشت نانسي بيلوسي بالتنين الصيني، يبدو أن توازن القوى سيترك مكانه لتوازن الرعب.
بعد سنتين من الرجل البدين ظهر مصطلح «ساعة القيامة» من قبل مجلس إدارة مجلة علماء الذرة التابعة لجامعة شيكاغو. وهذه الساعة باتت تنذر بقرب نهاية العالم بسبب السباق المحموم بين الدول النووية، ولحظات طيشها ونزقها، حيث إن وصول عقارب الساعة إلى منتصف الليل، يعني قيام حرب تُفني البشرية حتى آخر رضيع فيها، فيما يُشير عدد الدقائق المتبقية التي تسبق تلك اللحظة إلى احتمال قيام القيامة المستطيرة.
لا نعرف كم دقيقة، أو ثانية تفصلنا عن انتصاف ليل تلك الساعة التي تذكرنا دوما بجسارة الإنسان على قتل أخيه الإنسان، بكل سلاح قد اخترعه، ولكن يبدو أن علينا أن نتفهم بشكل أكثر فطنة ما قاله أوباما من إن القادة المنغمسين في لهيب الحروب يحق لهم ما لا يحق لغيرهم حين يملكون قرار موت الجميع.  
اليوم يقبع كوكبنا المكلوم بصورة أو بأخرى في قلب غيمة فطر رجل بدين، أو تحت رحمة طفل وليد، بكل ما تعنية الحالة وظلالها من خوف مرعب. فاحتمالات استخدام أسلحة نووية باتت لا تقل خطورة عن أي وقت منذ ذروة الحرب الباردة. واحتمال نشوب حرب إقليمية قد تصبح عالمية. فما أسهل الانزلاق في الحروب وما أصعب الخروج منها.