في ساعتين فقط !!

كتب _إبراهيم عبد المجيد القيسي 

لا ساعة منبه، ولا أحد يوقظها من نومها، ولا أحد يعرف متى وكم من الوقت غفت عيونها، لكنها تصحو من النوم وكأنها لم تكن نائمة كناية عن فرط النشاط..

وأول ما تفعله بعد أن ترسل نظرة تفقدية على الأطفال، تغطي من سحب عنه أحد أشقائه الغطاء وهم نائمون، ثم تتوضأ وتصلي الفجر، وتنادي على البنت الكبرى والولد الأكبر أن يستيقظا، فلكل منهما برنامجه، تحمل «دلوين» هما «دلاو» الحليب، في يد وفي الأخرى صحن العجين الذي كان آخر ما فعلته ليلة أمس، عجنته، ثم غطته بغطاء ما كي تضمن أن العجين سيتخمر أثناء الليل، ثم تتوجه إلى رواق الغنم، حيث الطابون أيضا هناك، ودلو كبير كانت قد قامت وقت الغروب في اليوم السابق، قد ملأته بنخالة وشعير، ونقعته، لوجبة إفطار الغنم في اليوم التالي، تقوم على الفور بوضع «الملوة» الأولى من العجين في الطابون، ثم تقوم بخلط العلف بالتبن وتضعه في «طوالة» الغنم، وتعود للطابون لتخرج أول «ملوة» منه، وتدلي بالعجين ملوة ثانية في الطابون، وهي التي ستأخذ وقتا أطول من الأولى لتنضج، فتذهب للبقرات، تعلفها، وتطلق «العجل» أو العجول على أُمَّاتها، لترضع بعد انحباس عنها الليل طوله، ثم تكابد العجول لتفصلها عن أُمَّاتها، وتعيد ربطها وتضع لها علفها أيضا، فتعود للطابون، تخرج الملوة الثانية بعد أن تكون قد نضجت، وتضع الثالثة، ثم تذهب في شوط مع البقرات، تحلبها في دلو ثم تضعه في دلو كبير، ثم تعود للطابون مسرعة تخرج الملوة الثالثة، وتضع الرابعة الأخيرة، وتذهب لحلب الغنم «الشويهات»، وتأخذ وقتا أطول قليلا، ثم تذهب للطابون للمرة الرابعة، تتفقد الملوة الأخيرة التي تستنفد وقتا أطول لتستوي، فالطابون لم يعد ساخنا،، ثم تذهب مسرعة للبئر، تنشل الماء لتسقي الغنم والبقر، ثم يصل الابن الأكبر، ومعه «قلن ماء» سعة 20 لترا، يبدأ بملئه من ماء البئر، وتكون أمه قد أعادت الغنم الى رواقها، والبقر إلى مرابطه، فتخرج الملوة الأخيرة من الخبز، تضعه جميعه في صحن العجين الذي أصبح فارغا، وتقوم «بتزبيل» الطابون حتى لا يبرد ويكون مهيأ لوجبة الغداء أو ربما العشاء وقت الغروب.. فتضع العجين على رأسها، وتحمل أحد دلاء الحليب، بينما يحمل الابن الأكبر أو «الذي عليه الدور صبيحة ذلك اليوم بمساعدتها».. يحمل الماء و»دلو الحليب الثاني، ويعودا للبيت مسرعين.. وقد يصبح مشوار العودة أكثر صعوبة، لو كانت قد قررت مساء اليوم الماضي «وقت الليل»، أن تضع حطبا في «ساس الطابون» ليحترق ويكون جمرا في صبيحة اليوم التالي، فيحتار الابن بحمله ونقله الى البيت لتضعه أمه في الموقد المحفور في أرض غرفة النوم والمعيشة «الوحيدة» فهي البيت كله، إضافة إلى 4 من الملحقات الأخرى «القطوع»، المستخدمة لتخزين المونة ولدائن الطبخ والطعام، و»الوهد» كله، وكان الجمر ضروريا في الشتاء، لتدفئة أجساد الأطفال الصغار، ليتمكنوا من تجهيز أنفسهم للذهاب إلى المدرسة.

انتهت ساعة ونصف، وبدأ نصف الساعة الأخير من ساعتي الصباح في يوم من أيام الشتاء..

بحركات سريعة تحفظها عن ظهر قلب، تخرج ما تيسر من مونة «تطلي» أو زيتون، أو لبن قطيع، أو ربما رايب، وأحيانا تقلي بيض دجاج، ويكون ابريق الشاي قد وضع بلمح البصر على الجمر، وتبدأ في توجيه التعليمات للأطفال الصغار.. غسلوا وجوهكو بسرعة، يا فلان احمل «البريق» وصب ميه على اخوانك وانت بتغسل بعديهم، وأحيانا كان لا يجد من يصب الماء عليه، فقد نشفوا وجوههم وسبقوه بمرحلة، ثم جولة سريعة منها تصف الأحذية و»جراباتها» عند عتبة الباب، ويجلس الجميع إلى مائدة الفطور، بينما هي تحضر مستلزمات غسيل رؤوس البنات وتمشيط شعورهن حسب «مقاييس ومواصفات» الدوام في مدارس كان وجود «القمل والصيبان» طبيعيا في في رؤوس وملابس الكثير من طالباتها.. وتتعالى بعض أصوات البكاء عند أصغر الأطفال، قبل خروجهم للمدرسة، فبعضهم يريد قلما بديلا عن قلم الرصاص الذي كاد أن ينتهي، وأخر ربما يريد دفترا جديدا، ولا يتفهمون بأن لا نقود ولا مجال للدين من الدكاكين، ويجري إقناعه بأن طلبه سيجهز بعد عودته من المدرسة، وقد يكون آخر من يخرج من البيت باتجاه المدرسة فبعض إخوته سبقوه وخرجوا الساعة السابعة تماما بينما هو بكى وانتظر قلما أو دفترا، ونجح في استخلاص وعد بتلبية طلبه وخرج بعدهم بربع ساعة..

ثم تشرع بترتيب البيت والقيام بعمليات التكنيس والشطف والجلي وتعليف الدجاج، وقد تقوم بالجلوس بخشوع تترحم على الأموات الذين كان الراديو يذكرهم في نشرة الساعة العاشرة صباحا.

اللهم امنحها صحة وعافية دائمتان، خالوه: إن أمي كانت من فولاذ ..