الأردن على مفترق طرق .. هل الانتخابات في موعدها؟

كتب _د. ليث عبد الله القهيوي 

مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية في الأردن، يترقب المواطنون والمراقبون السياسيون بشغف وتوتر المشهد القادم وكيفية إدارته ونتائجه المرتبطة بمنظومة التحديث السياسي والتي يعول عليها الكثير، وكيفية تصور المشهد الداخلي في ظل ازمة ثقة، وكيف ستتمكن البلاد من الحفاظ على استقرارها في ظل المشهد الخارجي المضطرب.

إن المملكة تقف اليوم أمام تحديات جسيمة تتطلب حنكة سياسية وإدارة قوية لتوجيه السفينة نحو بر الأمان.

على الصعيد الداخلي، تواجه الأردن تحديات اقتصادية متفاقمة، من تباطؤ النمو الاقتصادي إلى ارتفاع معدلات البطالة، بالإضافة إلى الآثار المستمرة لجائحة كورونا. والمواطن الأردني يواجه صعوبات يومية في تلبية احتياجاته الأساسية، مما يضع ضغوطًا إضافية على الحكومة لتقديم حلول فعالة وحقيقية لتحسين الوضع الاقتصادي من خلال تنفيذ إصلاحات جذرية مرتبطة بالأثر من نتائج منظومة التحديث الاقتصادي، ويبقى السؤال المطروح: هل ستكون هذه الجهود كافية لمواجهة التحديات الراهنة؟ الشعب الأردني يحتاج إلى رؤية نتائج ملموسة لتحسين مستوى المعيشة وتوفير فرص العمل، مما يعزز الثقة بين المواطن والدولة.
سياسيًا، يعمل الأردن على الحفاظ على استقراره وسط منطقة ملتهبة بالصراعات والتوترات، حكومة رئيس الوزراء بشر الخصاونة تواجه اختبارًا حقيقيًا في تحقيق الإصلاحات السياسية المطلوبة وتفعيل الحوار الوطني.
إن الشارع الأردني يتطلع إلى تغييرات حقيقية تعزز من مشاركته في صناعة القرار وتقوية دور المؤسسات الديمقراطية ومعالجة قضية الثقة تتطلب شفافية أكبر وإجراءات فعالة تلبي طموحات الشعب.
وأحد أبرز التحديات التي تواجه الانتخابات القادمة هو المال الأسود الذي يشوه العملية الديمقراطية، هذا المال المستخدم في شراء الأصوات والتأثير على الناخبين يهدد نزاهة الانتخابات ويضعف الثقة في النظام الانتخابي، وعلى الدولة اتخاذ إجراءات صارمة لمكافحة هذه الظاهرة وضمان شفافية العملية الانتخابية.
تعد الانتخابات البرلمانية المقبلة نقطة فاصلة في تاريخ الأردن. الدولة الأردنية أكدت مرارًا التزامها بإجراء الانتخابات في موعدها كجزء من التزامها بالعملية الديمقراطية. لكن التحديات اللوجستية والأمنية، إلى جانب الظروف الإقليمية المتوترة، تضع هذه الالتزامات على المحك.
إن انعقاد الانتخابات في موعدها المحدد سيعزز من ثقة المجتمع الدولي في الأردن، ويؤكد أن المملكة قادرة على إدارة شؤونها بفاعلية رغم كل الضغوط.
أما المشهد الإقليمي يعقد الأمور بشكل أكبر من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلى الأوضاع في سورية والعراق، وأخيرًا التطورات في لبنان، يجد الأردن نفسه محاطًا بأزمات تستوجب منه الحفاظ على استقراره الداخلي بحذر شديد.
إن الأردن، بفضل سياسته الخارجية المتوازنة وعلاقاته الدبلوماسية المتينة، تمكن من البقاء في مركز الأحداث الإقليمية كطرف محوري. ودعم المملكة المستمر للقضية الفلسطينية واستضافتها لملايين اللاجئين يعكس التزامها بدورها الإنساني والسياسي في المنطقة.
من التحديات البارزة أيضًا، عزوف الشباب عن المشاركة السياسية، هذا العزوف ناتج عن فقدان الثقة والشعور بالإحباط من التغيير، ويجب على المؤسسات المعنية العمل على إشراك الشباب بشكل حقيقي في العملية السياسية من خلال توفير قنوات فعالة للتواصل وإشراكهم في صنع القرار.
الانتخابات البرلمانية القادمة لا تمثل فقط اختبارًا للديمقراطية الأردنية، بل هي بوصلة لاستقرار البلاد وانعقادها في موعدها وستعزز من الشرعية السياسية وتؤكد على التزام الدولة بالإصلاحات.
الشفافية والنزاهة في هذه الانتخابات ستكون مفتاحًا لرضا الشارع الأردني، مما يساعد على تعزيز الثقة بين المواطن والدولة. الانتخابات ليست مجرد عملية سياسية، بل هي فرصة لتجديد العقد الاجتماعي وتعزيز وحدة الصف الداخلي.
بالرغم من التحديات الجسيمة التي تواجه الأردن، يبقى الأمل معقودًا على حكمة قيادته وقدرة شعبه على تجاوز الصعاب. التزام الدولة بإجراء الانتخابات في موعدها يعكس إرادتها السياسية القوية في تعزيز الديمقراطية والإصلاح.
إن الأيام القادمة ستحمل الإجابة، لكنها بلا شك ستشكل مرحلة مهمة في مسيرة الأردن نحو مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا.
ولضمان نجاح هذا المسار، يجب على الدولة الأردنية في المرحلة القادمة تعزيز الحوار الوطني والتعاون مع كافة القوى السياسية والمجتمعية والخطة الشاملة التي تتضمن تحسين الظروف الاقتصادية وتوفير فرص العمل ودعم المبادرات الشبابية ستكون الأساس لتحقيق هذه الأهداف، كما ينبغي على الدولة الاستمرار في تعزيز العلاقات الخارجية، والحفاظ على شبكة التحالفات الدولية التي تدعم استقرار الأردن وتوفر الدعم اللازم لمواجهة التحديات الإقليمية.
في الختام، يبقى الأردن نموذجًا للاستقرار في منطقة تعج بالصراعات. والانتخابات القادمة تمثل فرصة حقيقية لتعزيز الديمقراطية والاستقرار الداخلي بشرط أن تُجرى بشفافية ونزاهة.
التحديات كبيرة، لكن الإرادة الشعبية وحكمة القيادة كفيلة بتجاوزها وتحقيق تطلعات الجميع في بناء وطن آمن ومستقر.
الأردن اليوم يقف على مفترق طرق، والانتخابات المقبلة ستكون اختبارًا حاسمًا لتحديد مساره المستقبلي.