“اليركون”: رحلة ألم وذاكرة فلسطينية للكاتبة صفاء أبو خضرة
دقيقة أخبار
صدر عن دار الفينيق للنشر والتوزيع رواية "اليركون” للكاتبة صفاء أبو خضرة للعام 2024، في 187 صفحة من القطع المتوسط، وقد احتفت رابطة الكتاب الأردنيين في فرعيها في اربد وعمان بالاشتراك مع مجموعة أكثر من قراءة بتوقيع الرواية وقدمها وناقشها مجموعة من الكتاب، واليركون هي الرواية الثانية للكاتبة بعد روايتها الأولى (أنيموس) وقبلها مجموعة قصصية وديوانين من النصوص الشعرية.تبدأ الرواية بحكاية شخصية (الروائي) غامضة وانطوائية نوعاً ما، بعد نيله الشهرة وطباعته العديد من المؤلفات والكتب وبعد أن كانت الأضواء كلها صوبه، أصيب بلعنة الصفحة البيضاء وهذه اللعنة عادة ما تصيب الكتاب فيفقدون قدرتهم على كتابة المزيد مما يترك أثراً سيئاً و حالة مرضية لا تحمدُ عقباها، وهذه اللعنة أصابت بطل الرواية، الشخصية الأولى في العمل والتي فتحت الباب لشخصيات عديدة أخرى وأحداث مؤلمة عن النكبة والمخيم والتهجير ومجازر الاحتلال الصهيوني منذ عام 1948 وحتى فترة غير بعيدة، تنقسم الرواية لثلاثة من الفصول، وقد خصّت الكاتبة الفصل الثالث وعنونته بــــ(درب الآلام) والذي ذكرت أن القصص التي سردتها البطلة ما هي إلا قصصاً حقيقيةً لأسيرات في سجون الاحتلال، وكانت هي واحدة من هؤلاء الأسيرات بعد أن تعثّر بها القدر، عندما اغتال الموساد زوجها (غسان) وهو عالم آثار وكانت (لميس) برفقته ما أدى إلى موته وإصابتها إصابة بليغة سببت لها شللاً نصفياً وفقدت قدرتها على المشي بل تتنقل عن طريق كرسي متحرك..أسقطت الكاتبة شخصية غسان ولميس على الشخصية الحقيقية لغسان كنفاني وابنة أخته لميس اللذين اغتالهما الموساد عام 1972، وكأنها أرادت أن تحييهما مرةً أخرى، وربما أرادت أن تعيد الزمن إلى الوراء، في هذه الرواية نجد الزمن غرائبي إن جاز التعبير، نجدهُ في كرّ وفرّ، يتنقل بين الماضي والحاضر بكلّ سلاسة ولكن بحرفية تستدعي من القاريء أن يكون مصغياً بكلّ حواسه لكلّ ذلك الزخم الزمني في العمل، ركّزت الكاتبة على السرقات التي ارتكبها الاحتلال منذ عام 1948، فبينت على لسان أبطالها وخاصة غسان، سرقة أسماء القرى والأماكن والبيوت بما تحتويه من مقتنيات وملابس ومجوهرات وسجاد وغيرها، سرقة المكتبات، سرقة الأراضي، سرقة التراث والطعام ونسبه إليها حتى في المطاعم العالمية، لذلك كان اسم الرواية، وهو اليركون، الاسم الكنعاني لنهر العوجا والذي ادعى الاحتلال الصهيوني بأن الاسم عبري وذكر بالتوراة..واللافت أكثر في الرواية وهو الاهداءـ، من النهر إلى البحر، نجد هنا الكاتبة بكلّ جرأة تطرح ما جرّمه الكونجرس الأمريكي، لتقول للمغتصبين جميعا، هذي بلادي من الماء الى الماء ولن نتنازل عن حدودها..ثم في فصل كامل كانت حياة المخيم، مخيم اربد،مسقط رأس لميس والتي سردت لها جدتها مريم وجدتها رشيدة حياة البلاد، فشكلت جزءاً كبيراً من التأريخ لما عاصره الناس في تلك الفترة العصيبة أثناء الاحتلال وما قبل الاحتلال، وما عاصرته لميس الحفيدة من معاناة في المخيم، حياة اللجوء، المؤن، مدارس الوكالة، ألواح الصفيح، كل ذلك الزخم نجده في اليركون، لنجد أنفسنا أمام عمل قلق ومتعب بتفاصيله الموجعة وشخصياته المتألمة والتي عانت من الاحتلال وما تبعه من ويلات التهجير والحلم بالعودة..وفي جملة -ضمنتها الكاتبة لعملها- ذكرها الصهيوني بن غوريون قديماً (الكبار يموتون والصغار ينسون) لإصرارها على دحض مقولته، فلميس هي من الجيل الرابع من الفلسطيني الذي تهجر غصباً من أرضه، لكنهُ لم ينس بلاده، ولم ينس حقه العودة.