حسين الرواشدة : ‏الانتخابات فرصة لاختبار عودة الروح الوطنية

هل قررت الإدلاء بصوتك في الانتخابات البرلمانية القادمة؟ قبل أن تفعل ذلك، لا بأس أن تسأل : من هو الحزب أو المرشح الذي يستحق أن تصوت له، ما البرنامج أو الطرح الذي حظي بإعجابك وتقديرك، هل قرأت قانون الانتخاب وفهمت ما جرى عليه من تعديلات، والأهم : هل تعتقد أن صوتك ضرورة وطنية تستدعيها أوضاع بلدنا القائمة والقادمة، ومتطلبات التحديث السياسي، والمستقبل الذي تحلم به؟


‏أعرف، تماما، أن ثمة اتجاهات سلبية حول جدوى الانتخابات، تستند إلى إرث متراكم من التجارب السابقة، خاصة ما يتعلق بأداء المجالس النيابية المتعاقبة، أعرف، أيضا، أن الأحزاب الجديدة والمتجددة لا تزال تتحدث مع نفسها، ولم تفصح للأردنيين عن اولوياتها وبرامجها، ولم تفرز هوياتها أيضا، أعرف، ثالثا، أن سطوة الوجوه المكررة استحوذت على المشهد العام، وأن «الرّشى» الحزبية والانتخابية أصبحت البوابة المشروعة للدخول إلى قوائم المرشحين، وأنه لا حظّ للفقراء في مارثون السباق الحزبي للبرلمان، أعرف، رابعا، أن النسبة العظمى من الناخبين، لاسيما الشباب، لم يقرأوا قانون الانتخاب، ولم يجدوا المكان الذي يليق بهم في مركب الانتخابات.

‏أسهل ما يمكن أن نفعله، كأردنيين، هو الاستسلام لهذا الواقع، ثم تشييعه بما يلزم من أعذار ومبررات، للاستقالة من واجبنا، والانسحاب من المشهد الانتخابي، أو حتى المساهمة في إعادة تكراره، تماما كما فعلنا في مرات سابقة حين تركنا الميدان لآخرين احتشدوا فملأوا الفراغ، وأورثونا ما نعانيه من أخطاء وأزمات وخيبات، صحيح ثمة ظروف عديدة ساهمت بإنتاج ما وصلنا إليه، وما نشكو منه، وما قد يدفع بعضنا للإحباط من التجربة البرلمانية، لكن الأصح هو أن غياب الأردنيين، أقصد وعيهم الوطني وهمتهم وحسن اختيارهم، كان مسؤولا، ايضاً، عن هذه النتيجة، وبالتالي لا يجوز أن نقع في المصيدة هذه المرة.

‏الانتخابات البرلمانية التي ستجري بعد نحو شهرين ونصف (10/9) ليست مجرد بوابة للوصول إلى البرلمان، وإنما بداية لتشكيل مرحلة جديدة مزدحمة بالاستحقاقات والتحديات، أقصد أن وظيفة البرلمان، وحركة السياسة الأردنية بشكل عام، تتجاوز مع ألفناه فيما مضى من سنوات، أمامنا تحولات خطيرة تتعلق بالمنطقة وبلدنا يجب أن نتوافق على إفراز نواب أكفاء قادرين على مواجهتها والتعامل معها، نظلم وطننا إذا لم نخرج عن صمتنا وعزلتنا، وعتبنا وغضبنا، ثم ندفع باتجاه إنتاج برلمان حقيقي يمثل إرادة الأردنيين ويعكس تطلعاتهم.

‏ ادرك أن المعيقات كثيرة، المتسللون إلى المواقع سيدفعون الأموال، ويحاولون شراء الذمم والأصوات، ويزورون الحقائق، ويفعلون كل ما بوسعهم لانتزاع المقاعد، لكن أمام وعي الأردنيين وانحيازهم للشرف الوطني، والتزامهم بصوت ضمائرهم الحية، الذي ميزهم وقت الامتحانات الصعبة، لن يجد هؤلاء أي ممر للدخول إلى البرلمان، وسيكون الفشل حليفهم.

‏هذه الانتخابات ستكون فرصة لاختبار الأردنيين في امتحان عودة الروح الوطنية التي استمدوا منها وعيهم على وطنهم، واعتزازهم بدولتهم، وحرصهم على إبراز هُويتهم الوطنية، ودفاعهم عن مصالحهم العليا، فإما ان يجتازوا هذا الامتحان بنجاح، ويؤسسوا لبرلمان أردني يمثلهم بحق، ويعيد إليهم الأمل والثقة بأنفسهم وبلدهم، وإما أن يجلسوا على مدرجات المتفرجين، او يركبوا قطار المحبطين، فتصدمهم الأيام والحوادث القادمات، بما تزدحم به من مفاجآت، عندئذ لا تنفع الشكوى، ولا يفيد الصراخ والندم.