تشوه المنظومة الخدمية ..


كتب _فايز الشاقلدي 
تعتبر قدرة المرشح على توفير الخدمات للنـاخبين عنصـرا رئيسـا فـي حصـوله علـى أصـوات الناخبين ,وتبين من خلال استطلاعات الرأي العديدة بأن 40% من الناخبين يعطون  
أصواتهم للمرشــح القــادر علــى تــوفير الخــدمات والخــدمات التــي نتحــدث عنهــا هنــا تتــراوح بــين تــوفير الوظـائف الـى تعبيـد الطـرق وانشـاء المراكزالصحية  وغيرهـا مـن الخـدمات التـي يفتـرض أن لا تكـون ضـمن عمـل النائـب المباشـر، حيـث ينحصـر دور النائـب أو دور مجلـس النـواب فـي ثلاثـة أمـور هي التشريع والرقابة والتمثيل. 
وعلـى نحـو لافـت، فـإن قـدرة المرشـح علـى تـوفير الخـدمات تـرتبط ارتباطـا وثيقـا بعلاقتـه بالسـلطة التنفيذيـة، فالمرشـح الـذي يملـك علاقـات جيـدة بـأجهزة الدولـة التنفيذيـة هـو الأقـدر بطبيعـة الحـال علـى تـوفير الخـدمات للمـواطنين مسـتفيدا مـن هـذه العلاقـات، وهـو الأمـر الـذي يـؤثر علـى عدالـة المنافسـة بـين المرشـحين تـأثيرا سـلبيا ويكـرس تـدخل السـلطة التنفيذيـة غيـر المباشـر فـي العمليــة الانتخابية، إضافة الى ذلك فأن الثمن الذي سيدفعه المرشح نتيجة ارتهانه لهذه العلاقة يتمثل فـي عـدم قدرتـه علـى فـرض رقابتـه علـى السـلطة التنفيذيـة التـي لـولا علاقتـه بهـا لمـا تمكـن مـن تقـديم الخدمات للناخبين وبالتالي حصد أصواتهم .
فتقــديم الخــدمات مــن قبــل النائــب يعتبــر تشــوها فــي المنظومــة الخدميــة، فالاصــل أن يــتم تقــديم الخدمات من الجهات ذات العلاقة المباشرة كالمجالس البلديـة والقطـاع الخـاص والأجهـزة التنفيذيـة فــي الحكومـــة، وهــذا التشــوه يــؤثر علــى الســلوك المجتمعــي للنــاخبين ويكـــرس مفهــوم الواســطة والمحسـوبية ويـؤدي الـى غيـاب العدالـة وتكـافؤ الفـرص، فالمرشـح أو النائـب سـيكون حريصـا علـى تقديم الخـدمات الـى المكـون المجتمعـي الـذي يعتبـره وعـاءا تصـويتيا بشـكل اكبـر مـن حرصـه علـى تقـديم نفـس الخـدمات الـى المكونـات المجتمعيـة الأخـرى فـي دائرتـه الانتخابيـة، وطالمـا أن الـدوائر الانتخابيـة هـي دوائـر صـغيرة فـإن المكونـات المجتمعيـة التـي ستسـتفيد مـن هـذه الخـدمات سـتكون محـدودة ولـن تـذهب الخـدمات للأغلبيـة مـن نـاخبي الـدائرة.
 وهـذا يعنـي بالضـرورة خلـق المزيـد مـن الحساسيات بين المكونات المجتمعية، إضافة الى تكريس الـنمط الريعـي فـي العلاقـة بـين المـواطن والدولة ممثلة في مجلس النواب في هذه الحالة، وهي بالتأكيد علاقـة لا ترتكـز علـى قـيم المواطنـة والحقوق والواجبات .
لا غرابــة عنــدها أن ينــتج عــن هــذا الــنمط المشــوه فــي العلاقــة بــين الناخـــب والمرشــح (والنائــب مستقبلا) اثر سلبي يتمثل في تراجع دور الحكومات البلدية (الحكومات المصغرة ) الممثلة في المجالس المحلية والبلديـة، اذ أنـه إضـافة الـى المعيقـات التـي تواجـه عمـل البلـديات والتغـول عليهـا مـن قبـل أجهـزة الحكومـة المركزيـة، فـان البلـديات تـدخل منافسـة غيـر عادلـة مـع مجلـس النـواب فـي مجـال تـوفير الخـدمات وهـو المجـال الـذي لا يجـب أن يتواجـد فـي مجلـس النـواب مـن الأسـاس، وتـؤدي قناعـة المـواطنين بأن النائب اكثر قدرة على توفير الخدمات من المجلس البلدي الى النظر باستهانة للعمل المحلـي البلــدي وعــدم التعامــل مــع البلــديات بجديــة بــل والــى التجــاوز عليهــا وعلــى إجراءاتهــا فــي بعــض الحالات. 
فاضعاف دور المجالس المحلية يؤثر سلبا على مفهوم الديمقراطية المحليـة (الضـعيف أصـلا)، كمـا أن ارتباط الخدمات بمجلس النواب ونشوء علاقات خدمية مباشرة بين النائب والناخبين يؤدي الـى تشويه العلاقات المجتمعية المحلية نتيجة وجود مجموعات مستفيدة من العلاقة مع النائـب وأخـرى لا تتمتـع بهـذه الميـزة لأنهـا لـم تقـم بالتصـويت لـه، وفـي غيـاب دور فاعـل للمجـالس المحليـة فـان المجموعات غير المستفيدة لن تجد من يوفر لها الخـدمات التـي تحتاجهـا بـنفس القـدر مـن العدالـة والجودة بالمقارنة مع المجموعة المستفيدة.