نصار يكتب_ الأردن: نموذج لبطولة القهر.. صفعات متتالية على خد “محمد”!

دقيقة أخبار _كتب_ عدنان نصار

عندما طوى الإنسان ، مجتمع الغابة ، وهجر الصيد والقنص ، تاركا الضعفاء يصولون ويتجولون في أرض الله ..، انتقل ذات الإنسان إلى المجتمع المتحضر ، واستنهض في دواخله غريزة الابتكار ، وراح يبحث بشكل جمعي عن انسانية تجمع الخير ، وتهجر الشر .

أسوق هذه المقدمة على عجالة ، لأعزز قيمة العدالة ، في مجتمع يحترم انسانية الإنسان ، ويضع معاملته فوق اي إعتبار ، بعيدا عن أي صفة ، أو اسمه “الرابع” في سجل الأحوال..،أو درجة إرتباطه بصاحب نفوذ وسلطة ..عدالة ، تصنع للانسان أمله الآت ، وحلم حياة مسكون بالأمل والهدوء ..

ولعل اشتعال وإنشغال المكون الاجتماعي الأردني مؤخرا ، بحادثة “صفع” الطفل/الفتى الصغير “محمد ” وهو من ذوي الاحتياجات الخاصة /أصحاب الهمم/  على خده ووجهه من قبل معلمته داخل غرفته الصفية في احد مراكز ذوي الاحتياجات الخاصة في مدينة اربد شمال العاصمة الأردنية عمان ..هذا الاشتعال والانشغال الأكتروني ، كان بمثابة صدمة مجتمعية وفزعة من أصحاب الوجدان النقي والضمير لنصرة الفتى الصغير “محمد” ..، كان انشغالا مكثفا بإمتياز، بعد أن تمكن البعض من الاحتفاظ بفيديو “الصفع” الذي نشره موقع المركز بالخطأ وسرعان ما حذفه ..،لكن بعد إفتضاح الأمر ، وصار فيديو “الصفع” على كل لسان اردني .

المشهد، واقصد بالطبع مشهد “الصفع” التربوي لواحد من ذوي الاحتياجات الخاصة الذين لا يقوى على الكلام ، ولا يجيد الشكوى ، ولا يعرف إتجاهات الأسرار في الغرف المغلقة ..!

الجانب الوحشي في مسلكية من يستغلون عجز الآخر ، وقلة حيلته ، وضعفه ، وإنتماءه إلى معسكر (المساكين) ..هذه الوحشية بالفعل والصفع  ، لا يمكن لها أن تكون الا في إطار لغة “الغاب” التي هجرها الإنسان ، من أجل البحث عن المدنية والحضارة، لكن، مجتمع الحضارة على قدسيته الملتزمة ، يبدو أنه لم يكن كافيا لتهذيب سلوكيات البائعين للقيم بإسم التربية الخاصة ، ولم يعد وافيا لإخضاع السلوك الخاطيء لمجهر المراقبة .!!

شخصيا، كمواطن اردني ، وإنسان ، شعرت بالإهانة لم حدث ، أحسست أن الصفع ليس على خد “محمد” فحسب ، فخدي ناله جزء كبير من الإهانة ، وخدي امتلأ حمرة من الألم ..،شعرت بشيء عظيم يهزني من الداخل ويستنهض ثورتي في التصدي للظلم ، كما كل الناس في بلدي من هم دافعوا عن “محمد” ، بطل القهر..والعجز عن الكلام ، لكأن “محمد” في فمه ماء ، كما كل المقهورين والمنهورين والمساكين والسائلين.!

تتطلب حياة المجتمع المتمدن ، والحضارة في الإماكن “المغلقة” كما هو حالة “محمد” إلى مجهر للمراقبة من جهة ما ، في موقع المسؤولية /وزارة التنمية الاجتماعية/ وتثبيت كاميرات المراقبة في كل امكنة المراكز المشابهة ، كي تكون الرقيب على كل فعل مماثل كما حصل مع “محمد”..

صحيح ان المعنيين في أجهزة الدولة المعنية بالحادثة تحركوا سريعا ، وأودعوا المعلمة السجن بناء على أمر  من المدعي العام ..، وصحيح ان حادثة الصفع ، هي حالة استثنائية في المراكز المشابهة ..غير أن ما نحتاجه فعلا أيضا هو تعزيز قيم السلوك ودقة الاختيار للمعلمين والمعلمات في مثل هذه المراكز الخاصة ..فالسلوك الخاطيء والسكوت عليه ، يعد جريمة بحق الإنسان ، وهذا لا يمنع على اية حال أن تكون كل المراكز تحت مراقبة الكاميرات ..

حادثة “الصفع ” اعادتتي بالذاكرة إلى العام 1997 ، عندما كشفت بتحقيق صحفي مصور ومطول نشر في يومية “العرب اليوم”  حيث كنت احد صحفييها عن حادثة مماثلة في احد المراكز..حادثة إطفاء أعقاب السجائر على ظهر وأكتاف فتى ..عندها وقفت دوائر رسمية معتية على قدم واحدة ، وتحركت بعد تدخل الراحل الملك الحسين شخصيا في الأمر ، واخذ القائمين على تلك الحادثة جزاءهم العادل .

عندما تعتريك ضروب الإحباطات ، وتشتبك مع هاجس الخوف على الإنسانية..وعندما يسعى البعض إلى إسدال الستار على أحلامك ، ويتخذك رهينة لسوء فعلاته..عندها ينقلب الإنسان على العجز ويصبح فاعلا ، ويلغي من شخصيته الصمت ليصبح ثائرا على الظلم ..ويتحول الإنسان ، وإن كان عاجزا إلى “معجزة” تحكي عن المخبوء في سراديب الظلم ..

يقول الثائر نلسون مانديلا :” ليس حراً من يُهان أمامه إنسان، ولا يشعر بالإهانة” ‏.!!

كاتب وصحفي اردني..