'الإردوغانية'... بين صدمة الهزيمة وطور الأُفول
ما تزال أصداء الهزيمة المُدوية وغير المسبوقة في نتائجها, خصوصاً في مؤشرات ما بعد الانتخابات المحلية (البلديات)، التي تسبّبت/النتائج بحدوث هزّة عنيفة داخل حزب العدالة والتنمية الحاكم، الذي ما يزال «يُحقق» في الأسباب التي أدلت لهزيمته, وبخاصة الأكلاف السياسية والحزبية التي يتوجّب على زعيم الحزب/الرئيس إردوغان دفعها. إن على الصعيد الشخصي أم خصوصاً على المستوى الحزبي، الذي يبدو أنه عازم على «تطهيره» بالبحث عن «أكباش"فداء، يُراد تحميلهم المسؤولية, ناهيك عن إعادة ترتيب «المراكز» القيادية في الحزب, الذي يبدو أنه دخلَ طور «الترهّل»، بعدما عاش في وهم مواصلة قيادة تركيا، كونه (إردوغان وحزبه) ألحَقا هزيمة ساحقة بأحزاب المعارضة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي جرت قبل عشرة أشهر/أيار 2023. على نحو أطاح بمنافسه كمال كليتشدار أوغلو, ليس كمرشح منافس، بل واخرجه من رئاسة حزب الشعب الجمهوري. من هنا تتوجب العودة إلى التعديلات التي ادخلها إردوغان على الدستور التركي, إذ حوّل تركيا عبر استفتاء شعبي, عارضته المُعارضة/ عام 2017, من نظام برلماني إلى نظام رئاسي (ما مكّنه أيضاً من الترشح لولاية ثانية/عام 2018 وفق الدستور الجديد مُعتبراً أن/النظام الجديد «صفّر» ما قبله، أي سمح لإردوغان الترشّح لولاية ثانية تنتهي/عام 2028. وربطاً بذلك كان إردوغان على درجة عالية من الاطمئنان، بالفوز في الانتخابات المحلية الأخيرة (31 آذار الماضي)، على النحو الذي حققه في انتخابات/ ايار 2023 الرئاسية والبرلمانية، خاصة «حلمه» إستعادة المدن الرئيسية الثلاث, التي سيطر عليها حزب الشعب الجمهوري, وهي اسطنبول، أنقرة وازمير. لكن رياح الأصوات الشعبية، لم تهبّ كما تشتهيه السفن العدالة والتنمية، رغم سيطرة الحزب الحاكم على معظم إن لم نقل «كل» وسائل الإعلام, المرئية, المسموعة والمقروءة.ناهيك عن إعلان إردوغان المُفاجئ, الذي بدا وكأنه «خطبة وداع»، احتار المقربون فضلاً عن المعارضين في تفسير دواعيه وتوقيته. عندما قال: في 9 آذار الماضي (قبل ثلاثة أسابيع من الانتخابات المحلية), ان الانتخابات البلدية المقبلة (31/ 3/ 2024) ستكون «الأخيرة» له كرئيس لحزب العدالة والتنمية. ما أثار «موجات» من التكهنات عن «السِر» الذي يقِف خلف تصريح كهذا بما هو اشارة على مغادرته السلطة نهاية ولايته الحالية (ايار 2028)..أضف إلى ذلك التساؤل عن اسم «الشخص» الذي يُحضّره إردوغان لخلافته. وقبل مواصلة الإضاءة على التحليلات التي لم تتوقف عن اقتراب أفول الإردوغانية، من الضروري الإضاءة على تصريح لافت آخر، اطلقه صِهر أردوغان سلجوق بيرقدار, صانع طائرات الدرون التركية الشهيرة, الذي «رجّح» ترشّحه لانتخابات الرئاسة, مُضيفاً أن كل شيء سيعتمد على «الظروف», وكان قال تعليق سابق: حول احتمال أن «يطلبَ» منه إردوغان المُشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة، «من الممكن سأوافق». لكن كل ذلك سيعتمد على الظروف.فهل إردوغان قرّر اعتزال السياسة؟ أم أنها مناورة وبالون اختبار لرصد ردود الأفعال, أو أنها دعوة لأنصاره أن يُجدِّدوا لحزبه نصراً «آخر» بعد نصر الانتخابات الرئاسية والبرلمانية؟، أوساط حزب العدالة والتنمية تنفي نية إردوغان اعتزال السياسة, على ما قال متحدث حزبه/عمر جيليك، لكن ذلك «النفي» كان قبل 31 آذار الماضي أي قبل هزيمة الحزب الحاكم والفوز الساحق الذي حققه حزب الشعب الجمهوري بقيادته الجديدة, التي خلفت كمال أوغلو وتمكّن منصور يافاش وأكرم إمام أوغلو, من البقاء لدورة جديدة في رئاسة بلدية العاصمة/أنقرة، واسطنبول على التوالي.صحيح أن «الأرقام» التي سجّلها مرشحو حزب الشعب الجمهوري سواء في عدد المدن والبلدات التي فازوا برئاستها أم في عديد الأصوات التي حصلوا عليها مقارنة بما حققه حزب العدالة والتنمية كانت واضحة في الرسائل التي أراد الناخبون الأتراك ارسالها الى اردوغان وحزبه سواء في ما خصَّ انهيار العملة الوطنية، وغلاء الأسعار وارتفاع نسبة البطالة والتضخم، ناهيك عن بروز حزب ثالث (إسلاميّ الهوية) يرأسه نجل نجم الدين أربكان, مؤسِّس الإسلام السياسي التركي، الذي كان أردوغان وعبدالله غل, إنشقّا عنه وأسَّسا حزب العدالة والتنمية بداية القرن الجديد, ونقصد «حزب الرفاه من جديد» بزعامة فاتح نجم الدين أربكان، الذي وُصِف بأن «النجم الصاعد» في سماء الحياة السياسية, بعدما تمكّن من احتلال المركز «الثالث» بنسبة 19ر6%. خاصة أن فاتح أربكان رفضَ التحالف مع إردوغان، لعل موقف الأخير من حرب الإبادة الصهيونية على غزَّة، أحد الأسباب.** إستدراك:حظي تأثير الموقف التركي من غزَّة على شعبية إردوغان, باهتمام عدد من المُعلّقين، ومن بينهم محمد علي غولر، في صحيفة «جمهورييت»، الذي قال: إن الناخبين في قاعدة «العدالة والتنمية» لم يتجاوبوا مع دعوة الرئيس, إلى عدم الإلتفات إلى الدعوات «غير الأخلاقية» التي تريد استثمار الحساسية تجاه غزَّة، مُضيفاً: أن «جزءاً من القاعدة صوّت ضدّ إردوغان, لأن موقف الأخير من غزة كان «غير أخلاقي»، فيما كان موقف هذه الفئات بالفعل أخلاقياً, واقترعت لحزب «الرفاه من جديد». ووفقاً لغولر، فإن إردوغان إعترفَ بعد الانتخابات بـِ(أنّنا) لم نستطِع الدفاع عن الانتقادات التي واجهتنا في شأن غزة. ولم ننجح في إقناع هذه الفئات بتغيير موقفها». لافتاً أن الموافقة على عضوية السويد في «حلف الناتو» لعبت دوراً سلبياً ضد شعبية إردوغان، كون هذا البلد إشتهرَ بـِ"حرق القرآن». مُختتماً: إن «لقاء إردوغان بالرئيس الأميركي/بايدن، في البيت الأبيض/9 آيار المُقبل، سيزيد من «حرَج موقفه بالنسبة للعلاقة مع الأطلسي والأميركيين».