بصرف النظر عن سياسة الأمن الناعم، وذائقة المسؤولية الملتزمة من قبل الأمن .. وبعيدا عن التشكيك بأي حزب او فرد او مكون إجتماعي عشائري، وإفتراض دائم لحسن النوايا في ترجمة قيم ومعاني اي تظاهرة أردنية، في اي حدث او مناسبة كانت، يمتلك الوعي المجتمعي الأردني القدر الكبير، من المسؤولية، ويمتلك الحس الأمني الفطري، لمعرفة الخطوط بكل ألوانها في رفع الشعارات.. ولعل التظاهر في محيط سفارة الاحتلال الصهيوني في عمان، قد أعطى على مدى الأيام الفائتة، الدلالة الواضحة ان تضامننا الأردني الرسمي والشعبي، مع أهلنا في قطاع غزة وما يتعرضوا له من عدوان سافر وإجرامي، هو أقدس انواع التضامن والتعبير الجمعي الشعبي عن ادانتهم وإستنكارهم، للفعل الإجرامي الصهيوني .
التضامن الأردني، لا يجيء على شكل هبات او فزعات عابرة مطلقا، بل هو انعكاس متجذر للشخصية الأردنية الاجتماعية الجوانية، الرافضة دائما لأي عدوان على اي شقيق عربي ..وكان المكون الاجتماعي الأردني السباق دائما، والمبادر في التعبير عن التضامن والإدانة، ولدينا من التجارب الكثير في مواقف اكتسبت الشرف الوطني.
حراك الرابية، في محيط سفارة الإحتلال، شكل على مدى الايام الفائتة حضوره الأردني والمؤثر عربيا ..غير أن سعي البعض إلى إخراج التضامن عن مسار مضمونة المقدس، وإدخاله في دهاليز “الشرك الوطني”، كان من الأمور الخطيرة التي عمليا تهدد الاستقرار المجتمعي في البلاد، وكادت محاولات السعي المسيء للحراك الملتزم، ان تفرغ الحراك من قوته، وتفرعه وتشظيه تحت مسميات، غير مقبولة لا عند الاحزاب السياسية ولا الهيئات الاجتماعية والنقابية، ولا عند الافراد، بحكم ان الأحزاب السياسية والنقابات المهنية، والمكون الاجتماعي بكل مشاربه الفكرية، ومستوياته الثقافية، يمتلك الحس كما أشرنا إلى معرفته “للمسموح والممنوع”، في صياغة الخطابات والشعارات، وهو عمليا ما حدث بإلتزام على مدى الأيام السابقة ..إذن ما الذي حدث حتى نضخم الأمور .؟!
للإجابة، ومن منطلق الرصد الشخصي والصحفي المهني، لا بد من الإشارة إلى ما يمكن تسميته ب”الفلتان” الفردي في محاولات إحتكاك مع رجال أمن المتواجدين على مقربة من المتظاهرين، كوجود طبيعي تقوم به اي دولة ..، “الفلتان” الفردي المفترض، لم يكن اصلا في حسابات الاحزاب او النقابات او الهيئات الاجتماعية المتنوعة المشاركة بمظاهرات الرابية ..، ربما تفاجأت هذه القوى الشعبية الملتزمة بمحاولات الاحتكاك هذه، وبادر جمع منهم لمنع توسعه والسيطرة عليه، واحتواء محاولة “الفلتان”، رغم ان البعض من “المنفلتين” حاولوا الإساءة لرجال أمن ولأحزاب سياسية، للوصول الى اساءة للباد والشغل على توسيع الاحتكاك، لولا تدخل الحكماء، الذين تنبهوا مبكرا لمحاولات الفلتان.!
رجال الأمن الأردني، المنفذين للقانون والتعليمات، إتسموا حتى في لحظات “عصبية مصطنعة” من قبل افراد مشاركين بإعتصام الرابية، بهدوء وحكمة، ولعل بعض الفيديوهات التي نشرت ووزعت عبر السوشيال ميديا، تحاكي حجم الصراخ المصطنع، وحكمة رجال الأمن في التعامل مع هذا الصراخ وشعارات فيها مهانة، لا يحتملها احد مهما بلغت حكمته وصبره..
بإختصار؛ كمشارك، وصحفي يرصد المشهد، ستبقى حالة التضامن الشعبي الأردني مع أهلنا في غزة، بوصلة الشرفاء والأحرار، بعيدا عن أي مزاودة مفبركة ومصطنعة تسعى إلى جر البلاد إلى فوضى وكسر قوة التضامن الشعبي الأردني مع غزة، ضمن إطار التعبير الملتزم، وحماية البلد من الإنحراف عن الأهداف..، وقطع الطريق على الذين يتقصدون إدخالنا في دائرة “الشرك الوطني”!!