د.ماجد الخواجا : كأنه ننسى أننا ننسى

إلى بيان ومأمون وأروى وتالا والمختار والجامعة الأردنية:

كانت أولى المحاضرات مع الطلبة للفصل الجديد، قبل انتهاء المحاضرة فتحت جهاز اللاب توب، وفتحت صفحة الإكسل الخاصة بأسماء الطلبة والحضور والغياب لهم، أنهيت مهمة التحقق من الحضور وتوثيق ذلك الكترونياً، غادرت القاعة واتجهت إلى البيت، في المساء كنت أعمل على اللاب توب، فتحت صفحة حضور الطلبة، لم أشاهد غير أسمائهم دون توثيق لحضور وغياب على الصفحة، حاولت البحث هنا وهناك متحاشياً فكرة ( Not Saving) لم يظهر لي أي شيء، حينها عرفت أنني نسيت أن أحفظ التغييرات كما هي العادة بالأساس. هذه الأولى. صباحاً نهضت من سريري وكما هي العادة من سنين طويلة بأن أقوم بغسل وجهي وشعر رأسي، خرجت إلى السيارة لأوصل ابنتي لمكان عملها، حين أوصلتها، جاءت مني التفاتة إلى المرآة التي أمامي، شاهدت شعر رأسي منفوشاً دون تمشيط أو تسريح، وهذه الثانية. الثالثة والتي تؤكد أن هناك شيئا اختلف عن كل ما مضى، حيث كان هناك موعد لقاء لزيارة أحد الأقارب المرضى برفقة أبناء العمومة، كان الموعد الساعة السابعة مساء، في هذا الوقت كنت في المطبخ أتناول طعامي المتأخر، بعد أن انتهيت من الطعام وجلست في غرفة الجلوس، تناولت هاتفي فوجدت أن هناك مكالمات عديدة، عندما شاهدت صاحب المكالمات وهو من أبناء العم، علمت أنني نسيت الموعد. أما رابعة الأثافي فتمثلت بما قالته جارتنا بيان: إن من يشاهدك يا عم وأنت نائم على الكنباية مع نغمات الشخير الشجية، يتأكد من أنك أصبحت خارج التغطية. وجاءت الخامسة حين كنت أتسوق مع أم طارق، وطلبت مني اختيار نوع الشامبو لي، طبعاً بحكم خبرتي الطويلة في هذا الشأن، فإن أول ما يلفت انتباهي لون الشامبو وأناقة العلبة، أخذت واحدة زاهية الألوان ووضعتها في سلّة المشتريات، حين وصلنا البيت، سمعت أم طارق تسألني هل عرفت نوع الشامبو الذي أخذته، لقد حملت «بلسم» وليس شامبو. واكتملت بالسادسة عندما كنت جالساً أنتظر في السيارة، فإذا بشخص يقبل عليّ وأنا أنظر إليه مهللاً، أهلا أهلا أحمد حلمي، سألني: مين أحمد حلمي، قلت له بثقة: زميلي في العمل لسنين طويلة، أجابني أنا لست أحمد، أعدت النظر إليه بدقة، قال هل نسيت زميلك مأمون الشوبكي، ياااه ما أردأ الذاكرة. هل عليّ واجب الاعتذار للجميع أم لنفسي. منذ فترة اعتدت على أن أكرر التحقق من كافة التفاصيل قبل الشروع في أي عمل سواء كان على مستوى داخل المنزل أو خارجه، داخل البلد أو خارجها، حين أريد مراجعة أية دائرة في أية معاملة، أتحقق من وجود كافة الوثائق أو ما يرتبط بالمعاملة، وفي كل مرّةٍ أجد هناك شيئاً ما تم نسيانه.هذا هو الإنسان بأوضح تجلياته، أذكر أن زميلاً لنا كان والده الممعن في العمر حيث بلغ نهايات الثمانين من عمره، لكنه بقي مصراً على أن يقود سيارته بنفسه، كان يقول عن والده أنه ولأكثر من موقف كاد أن يتسبب في كوارث وحوادث قاتلة نتيجة تدني مستوى البصر وحسن التقدير للمسافات وحركة السيارات، إلى أن لقي حتفه عندما اصطدمت السيارة في السيارات التي أمامها نتيجة عدم تقديره وسيطرته على الموقف.وهناك من سمعنا أنه خرج من بيته ولم يعد، لأنه ظلّ يكابر ويرفض الواقع الذي أصبح عليه، إلى أن خرج عن العالم الواقعي كله، ولم يعد بإمكانه تحديد المكان والزمان الذي هو فيه.هذا هو الإنسان الهشّ الضعيف المكابر الذي يواصل الحياة وهو يعتقد أنه ما زال يمتلك المقدرة والإمكانية لمجاراتها وتحقيق متطلباتها. كانت العرب تقول أن الكيّس من دان نفسه، والحكيم من فهم حاجاته وإمكاناته، لكنه وتصديقاً لقول ربّ العزّة « ولقد خلقنا الإنسان في كبد» والكبد هو المعاناة التي تستمر مع الإنسان طيلة عمره، ربما في قول آخر أن سرّ الحياة يكمن في مواصلة المحاولة، فالحياة بمجملها ليست إلا عبارة عن محاولات متتالية لا تقف عند حد أو عمر أو حالة صحية، لهذا لا تستغربوا عندما ترونهم في آخر عمرهم الفعّال وفي أدنى مستوياتهم العقلية والعاطفية والاجتماعية والنفسية والصحية، لكنهم يتشبثون في الحياة كما لو أنهم في بداياتها. حفظ الله عليكم صحة عقولكم وعواطفكم وأبدانكم.