د. ماجد الخواجا : تجارة التأمين الطبي الخاص

وجد المهندس طارق نفسه محتاجاً إلى زيارة الطبيب، لعيادة معتمدة من التأمين لدى الجهة التي يعمل فيها، دخل إحدى المجمعات الطبية ووجد نفسه أمام طبيب جراحة، سأله عن حاجته، قال طارق أنه يريد طبيب يعالجه حيث كانت معاناته تتمثل في الأنفلونزا، أجابه أن عليه مراجعة المجمع المجاور، وطلب منه بأن يقول للطبيب الذيسيعالجه أنه جاء بتوصية منه أي من طبيب الجراحة العامة، هنا كانت أول الحكاية.

حين دخل العيادة استقبلته سكرتيرة وطلبت منه أن ينتظر لحين خروج المراجع المتواجد قبله عند الطبيب، حاول الانشغال بمطالعة بعض المجلات أمامه، طلبت منه السكرتيرة الدخول إلى الطبيب، استقبله الطبيب مبتسماً، سأله هل لديك تأمين طبي، أجابه طارق: نعم، حينها تهللت أسارير الطبيب وطلب من طارق الجلوس على سرير الكشف من أجل التشخيص، طلب منه أن يفتح فمه، قال له أن لديه تورماً بسيطاً في اللوزتين، وهذه علاجها سهل، ثم قام بفحص الأذنين وقال له أن هناك شحوماً أكثر في الأذن اليسرى عنها في الأذن اليمنى، وهذه تتطلب جلسة أو جلستين مع بعض الأدوية ليعود يسمع " دبّة النملة". دار حديث طويل بين الطبيب والمريض انتهى بأن قال الطبيب: اسمع يا مهندس، بتطلع من عندي بعد ما أكتبلك 3)) إبر حقن مع أدوية على الصيدلية التي في الأعلى، وسوف تعود مثل الحصان، حين نظر طارق إلى الروشتة ذهل بأن عدد الأدوية ثمانية أنواع، قال للطبيب أنه ليس بحاجة لكل هذه الأدوية، نظر الطبيب إليه وهو يرمقه بعتب وربما بحنق، هذه الأدوية ستعيدك كالحصان رد علي، أجاب طارق أرجوك يا دكتور أعطيني علاج واحد محدد فأنا لا أحب كثرة الأدوية، قام الطبيب بكتابة وصفة ثانية بعد أن أزال منها إبر الحقن وبعض الأدوية، قبل أن يخرج طارق من العيادة سأل الطبيب: هل يمكن إعطائي إجازة 24 ساعة راحة، قال الطبيب لا داعي للإجازة لأن حالتك جيدة ولا تستدعي ذلك. حينها انفجر طارق في وجه الطبيب وهو يقول: قبل لحظات كنت تريد مني أن أتناول 8 علاجات، والآن بعد رفضي لأخذها على حساب التأمين، أصبحت لا أستحق مجرد إجازة يوم واحد. سكت الطبيب قليلاً ثم تناول دفتر الإجازات وقام بكتابة يوم إجازة مرضية لطارق، قبل أن يعطيه ورقة الإجازة قال له: عليك أن تدفع دينارين. استغرب طارق وسأله: لماذا أدفع الدينارين علما أن التأمين شامل ويغطي كافة التكاليف؟ أجابه الطبيب: هذه بدل أتعاب الكتابة تدفع لنا بشكل خاص. خرج طارق وقام بدفع دينارين عند السكرتيرة، قبل أن يصل للباب الخارجي أدار بصره ناحية مكتب السكرتيرة، وجدها تناول الطبيب الدينارين. هذه حكاية حقيقية تحدث كل يوم وكل حين، خاصة بين تلك الفئات المغطاة بتأمين صحي خاص، وكأنها حلقة مكتملة من البزنس ولا أقول من الفساد، ما بين اختيار أدوية بعينها، واختيار تحليلات وفحوص دم وبول وأشعة وغيرها لدى مختبرات بعينها، وما بين شراء الأدوية من صيدلية بعينها. هناك الكثير من المسكوت عنه لكنه الشائع والمتداول في المجتمع ومنها مثل هذه الحكاية الحقيقية، نحن يعوزنا صحوة ضمير فردي وجمعي وليس مجرد منصات وقواعد أخلاق مهنية مكتوبة لكنها تعلّق على جدران مكاتبنا، ولا نتمثلها في سلوكاتنا وممارستنا المهنية. نعم هناك الكثير ممن يضعون القيم والأخلاق والوازع الذاتي في كافة ممارساتهم الوظيفية والمهنية، لكن أيضاً هناك عديد من الذين يعلون من أنانيتهم ومصلحتهم وحصد أكبر عوائد بصرف النظر عن أية أخلاقيات أو منظومات قيمية.